كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 28)

عِنْدَ الأَْكْثَرِينَ: أَنَّهُ صَائِمٌ مِنْ أَوَّل النَّهَارِ، كَمَا إِذَا أَدْرَكَ الإِْمَامَ فِي الرُّكُوعِ، يَكُونُ مُدْرِكًا لِثَوَابِ جَمِيعِ الرَّكْعَةِ، فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ جَمِيعُ شُرُوطِ الصَّوْمِ مِنْ أَوَّل النَّهَارِ.

32 - رَابِعًا: تَجْدِيدُ النِّيَّةِ: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ فِي كُل يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، مِنَ اللَّيْل أَوْ قَبْل الزَّوَال - عَلَى الْخِلاَفِ السَّابِقِ - وَذَلِكَ لِكَيْ يَتَمَيَّزَ الإِْمْسَاكُ عِبَادَةً عَنِ الإِْمْسَاكِ عَادَةً أَوْ حِمْيَةً (1) .
وَلأَِنَّ كُل يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، لاَ يَرْتَبِطُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَلاَ يَفْسُدُ بِفَسَادِ بَعْضٍ، وَيَتَخَلَّلُهَا مَا يُنَافِيهَا، وَهُوَ اللَّيَالِي الَّتِي يَحِل فِيهَا مَا يُحَرَّمُ فِي النَّهَارِ، فَأَشْبَهَتِ الْقَضَاءَ، بِخِلاَفِ الْحَجِّ وَرَكَعَاتِ الصَّلاَةِ (2) .
وَذَهَبَ زُفَرُ وَمَالِكٌ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ - أَنَّهُ تَكْفِي نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ عَنِ الشَّهْرِ كُلِّهِ فِي أَوَّلِهِ، كَالصَّلاَةِ. وَكَذَلِكَ فِي كُل صَوْمٍ مُتَتَابِعٍ، كَكَفَّارَةِ الصَّوْمِ وَالظِّهَارِ، مَا لَمْ يَقْطَعْهُ أَوْ يَكُنْ عَلَى حَالِةِ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ فِيهَا، فَيَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُ النِّيَّةِ، وَذَلِكَ لاِرْتِبَاطِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَعَدَمِ جَوَازِ التَّفْرِيقِ، فَكَفَتْ نِيَّةٌ
__________
(1) انظر الدر المختار ورد المحتار عليه 2 / 87، والمجموع 6 / 302، والإقناع بحاشية البجيرمي عليه 2 / 326، وكشاف القناع 2 / 315.
(2) المصادر السابقة نفسها.
وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ لاَ تَبْطُل بِبُطْلاَنِ بَعْضِهَا، كَالصَّلاَةِ (1) .
فَعَلَى ذَلِكَ لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، لَمْ يَصِحَّ صِيَامُ الْبَاقِي بِتِلْكَ النِّيَّةِ، كَمَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَقِيل: يَصِحُّ، وَقَدَّمَهُ بَعْضُهُمْ.
وَيُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ (2) . وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ قَال ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ - مِنَ الْمَالِكِيَّةِ -: لاَ بُدَّ فِي الصَّوْمِ الْوَاجِبِ الْمُتَتَابِعِ مِنَ النِّيَّةِ كُل يَوْمٍ، نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ كَالْعِبَادَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ، مِنْ حَيْثُ عَدَمُ فَسَادِ مَا مَضَى مِنْهُ بِفَسَادِ مَا بَعْدَهُ (3) .
بَل رُوِيَ عَنْ زُفَرَ أَنَّ الْمُقِيمَ الصَّحِيحَ، لاَ يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ، لأَِنَّ الإِْمْسَاكَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْعَادَةِ وَالْعِبَادَةِ، فَكَانَ مُتَرَدِّدًا بِأَصْلِهِ مُتَعَيِّنًا بِوَصْفِهِ، فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَتَى بِهِ وَقَعَ عَنْهُ (4) .

اسْتِمْرَارُ النِّيَّةِ:
33 - اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ الدَّوَامَ عَلَى النِّيَّةِ، فَلَوْ نَوَى الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْل ثُمَّ رَجَعَ عَنْ نِيَّتِهِ قَبْل طُلُوعِ الْفَجْرِ لاَ يَصِيرُ صَائِمًا.
قَال الطَّحْطَاوِيُّ: وَيُشْتَرَطُ الدَّوَامُ عَلَيْهَا. فَلَوْ نَوَى مِنَ اللَّيْل، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ نِيَّتِهِ قَبْل
__________
(1) الدر المختار ورد المحتار 2 / 87، والقوانين الفقهية ص 80، والشرح الكبير للدردير 1 / 521.
(2) كشاف القناع 2 / 315، والإنصاف 3 / 295.
(3) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير 1 / 521.
(4) رد المحتار 2 / 87، والتبيين للزيلعي 1 / 315.

الصفحة 26