كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 28)
يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ وَلاَ تَقْصِيرٍ، لأَِنَّ ضَمَانَ الأَْمَانَاتِ غَيْرُ صَحِيحٍ (1) .
وَنَصَّ الْقَلْيُوبِيُّ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الأَْمَانَةِ فِي الْعَارِيَّةِ - وَهِيَ مَضْمُونَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا هَلَكَتْ بِغَيْرِ الاِسْتِعْمَال - هُوَ شَرْطٌ مُفْسِدٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَشَرْطُ أَنْ لاَ ضَمَانَ فِيهَا فَاسِدٌ لاَ مُفْسِدٌ (2) .
وَجَاءَ فِي نُصُوصِ الْحَنَابِلَةِ: كُل مَا كَانَ أَمَانَةً لاَ يَصِيرُ مَضْمُونًا بِشَرْطِهِ، لأَِنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ كَوْنُهُ أَمَانَةً، فَإِذَا شَرَطَ ضَمَانَهُ، فَقَدِ الْتَزَمَ ضَمَانَ مَا لَمْ يُوجَدْ سَبَبُ ضَمَانِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ، كَمَا لَوِ اشْتَرَطَ ضَمَانَ الْوَدِيعَةِ، أَوْ ضَمَانَ مَالٍ فِي يَدِ مَالِكِهِ. وَمَا كَانَ مَضْمُونًا لاَ يَنْتَفِي ضَمَانُهُ بِشَرْطِهِ، لأَِنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الضَّمَانُ، فَإِذَا شَرَطَ نَفْيَ ضَمَانِهِ لاَ يَنْتَفِي مَعَ وُجُودِ سَبَبِهِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَطَ نَفْيَ ضَمَانِ مَا يَتَعَدَّى فِيهِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَال: الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، وَهَذَا يَدُل عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ بِشَرْطِهِ، وَالأَْوَّل ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ (3) .
الْقَوَاعِدُ الْفِقْهِيَّةُ فِي الضَّمَانِ:
الْقَوَاعِدُ فِي الضَّمَانِ كَثِيرَةٌ، نُشِيرُ إِلَى
__________
(1) كشاف القناع 4 / 168.
(2) حاشية القليوبي على شرح المحلي على المنهاج 3 / 20.
(3) الشرح الكبير في ذيل المغني 5 / 366 و 367.
أَهَمِّهَا، بِاخْتِصَارٍ فِي التَّعْرِيفِ بِهَا، وَالتَّمْثِيل لَهَا، كُلَّمَا دَعَتِ الْحَاجَةُ، مُرَتَّبَةً بِحَسَبِ أَوَائِل حُرُوفِهَا:
الْقَاعِدَةُ الأُْولَى: " الأَْجْرُ وَالضَّمَانُ لاَ يَجْتَمِعَانِ (1) ":
71 - الأَْجْرُ هُوَ: بَدَل الْمَنْفَعَةِ. وَالضَّمَانُ - هُنَا - هُوَ: الاِلْتِزَامُ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا، هَلَكَتْ أَوْ لَمْ تَهْلَكْ، وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مِنْ قَوَاعِدِ الْحَنَفِيَّةِ، الْمُتَّصِلَةِ بِرَأْيِهِمْ فِي عَدَمِ ضَمَانِ مَنَافِعِ الْمَغْصُوبِ، خِلاَفًا لِلْجُمْهُورِ.
فَلَوِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً أَوْ سَيَّارَةً، لِحَمْل شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، فَحَمَّلَهَا شَيْئًا آخَرَ أَوْ أَثْقَل مِنْهُ بِخِلاَفِ جِنْسِهِ، كَأَنْ حَمَل مَكَانَ الْقُطْنِ حَدِيدًا فَتَلِفَتْ، ضَمِنَ قِيمَتَهَا، وَلاَ أَجْرَ عَلَيْهِ، لأَِنَّهَا هَلَكَتْ بِغَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ.
وَكَذَا لَوِ اسْتَأْجَرَهَا، لِيَرْكَبَهَا إِلَى مَكَانٍ مُعَيَّنٍ، فَذَهَبَ بِهَا إِلَى مَكَانٍ آخَرَ فَهَلَكَتْ، ضَمِنَ قِيمَتَهَا، وَلاَ أَجْرَ عَلَيْهِ، لأَِنَّ الأَْجْرَ وَالضَّمَانَ لاَ يَجْتَمِعَانِ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (2) .
لَكِنِ الْقَاعِدَةُ مَشْرُوطَةٌ عِنْدَهُمْ، بِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الأَْجْرِ فِي ذِمَّةِ الضَّامِنِ، كَمَا لَوِ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الدَّابَّةِ - مَثَلاً - فِعْلاً، ثُمَّ تَجَاوَزَ فَصَارَ غَاصِبًا، وَضَمِنَ، يَلْزَمُهُ أَجْرُ مَا سَمَّى
__________
(1) المادة ص 85 من المجلة.
(2) تبيين الحقائق 5 / 118، والبدائع 4 / 213.
الصفحة 261