كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 28)

مَا أَصَابَتِ الْمَاشِيَةُ بِاللَّيْل فَهُوَ عَلَى أَهْلِهَا (1) .
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَلأَِنَّ الْعَادَةَ مِنْ أَهْل الْمَوَاشِي إِرْسَالُهَا فِي النَّهَارِ لِلرَّعْيِ، وَحِفْظُهَا لَيْلاً، وَعَادَةُ أَهْل الْحَوَائِطِ حِفْظُهَا نَهَارًا دُونَ اللَّيْل، فَإِذَا ذَهَبَتْ لَيْلاً كَانَ التَّفْرِيطُ مِنْ أَهْلِهَا، بِتَرْكِهِمْ حِفْظَهَا فِي وَقْتِ عَادَةِ الْحِفْظِ.
وَإِنْ أَتْلَفَتْ نَهَارًا، كَانَ التَّفْرِيطُ مِنْ أَهْل الزَّرْعِ، فَكَانَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ فَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا، وَقَضَى عَلَى كُل إِنْسَانٍ بِالْحِفْظِ فِي وَقْتِ عَادَتِهِ.
وَقَال - أَيْضًا -: قَال بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنَّمَا يَضْمَنُ مَالِكُهَا مَا أَتْلَفَتْهُ لَيْلاً، إِذَا فَرَّطَ بِإِرْسَالِهَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا أَوْ لَمْ يَضُمَّهَا بِاللَّيْل، أَوْ ضَمَّهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُهَا الْخُرُوجُ، أَمَّا لَوْ ضَمَّهَا فَأَخْرَجَهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَوْ فَتَحَ عَلَيْهَا بَابَهَا، فَالضَّمَانُ عَلَى مُخْرِجِهَا، أَوْ فَاتِحِ بَابِهَا، لأَِنَّهُ الْمُتْلِفُ (2) .
وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ عَدَمَ ضَمَانِ الإِْتْلاَفِ نَهَارًا بِشَرْطَيْنِ:
أَوَّلُهُمَا: أَنْ لاَ يَكُونَ مَعَهَا رَاعٍ.
وَالآْخَرُ: أَنْ تَسْرَحَ بَعِيدًا عَنِ الْمَزَارِعِ، وَإِلاَّ
__________
(1) حديث البراء بن عازب تقدم تخريجه ف 6.
(2) الشرح الكبير مع المغني في ذيله 5 / 454 و 455، وانظر القوانين الفقهية (219) .
فَعَلَى الرَّاعِي الضَّمَانُ (1) .
وَإِنْ أَتْلَفَتِ الْبَهِيمَةُ غَيْرَ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ مِنَ الأَْنْفُسِ وَالأَْمْوَال، لَمْ يَضْمَنْهُ مَالِكُهَا، لَيْلاً كَانَ أَوْ نَهَارًا، مَا لَمْ تَكُنْ يَدُهُ عَلَيْهَا (2) ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ وَيُرْوَى الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ (3) وَمَعْنَى جُبَارٌ: هَدْرٌ.
وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ، عَدَمَ ضَمَانِ ذَلِكَ لَيْلاً، بِمَا إِذَا لَمْ يُقَصِّرْ فِي حِفْظِهَا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْل مَنْ مَعَهَا، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ قَادَ قِطَارًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا وَطِئَ الْبَعِيرُ، فِي أَوَّل الْقِطَارِ أَوْ آخِرِهِ، وَإِنْ نَفَحَتْ رَجُلاً بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا، لَمْ يَضْمَنِ الْقَائِدُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَعَلَهُ بِهَا (4) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحَيَوَانَ إِذَا أَتْلَفَ مَالاً أَوْ نَفْسًا، فَلاَ ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَوَقَعَ ذَلِكَ فِي لَيْلٍ أَمْ فِي نَهَارٍ (5) .
__________
(1) شرح الزرقاني على مختصر سيدي خليل 8 / 119، والشرح الكبير للدردير 4 / 358، وقارن بالقوانين الفقهية (219) .
(2) الشرح الكبير للمقدسي 5 / 455، والقوانين الفقهية (219) وحاشية البجيرمي على شرح الشربيني الخطيب 3 / 145.
(3) حديث: " العجماء جبار " أخرجه البخاري (3 / 364) وحديث " العجماء جرحها جبار " أخرجه البخاري (12 / 254) ومسلم (3 / 1334) تقدم تخريجه ف (75) .
(4) شرح الزرقاني 8 / 119، والقطار من الإبل: عدد على نسق واحد. . المصباح المنير.
(5) الدر المختار 5 / 390، وانظر الاختيار 5 / 47.

الصفحة 278