كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 28)
وَذَلِكَ لِحَدِيثِ الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا.
لَكِنْ قَيَّدَهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، بِالْمُنْفَلِتَةِ الْمُسَيَّبَةِ حَيْثُ تُسَيَّبُ الأَْنْعَامُ، كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي الْبَرَارِيِ، فَهَذِهِ الَّتِي جُرْحُهَا هَدْرٌ وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ مَعَهَا حَافِظٌ فَيَضْمَنُ، وَبَيْنَ مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا حَافِظٌ، فَلاَ يَضْمَنُ، وَرَوَى فِي ذَلِكَ آثَارًا (1) .
وَلأَِنَّهُ لاَ صُنْعَ لَهُ فِي نِفَارِهَا وَانْفِلاَتِهَا، وَلاَ يُمْكِنُهُ الاِحْتِرَازُ عَنْ فِعْلِهَا، فَالْمُتَوَلِّدُ مِنْهُ لاَ يَكُونُ مَضْمُونًا (2) .
وَأَثَارَ الْمَالِكِيَّةُ - هُنَا - مَسْأَلَةَ مَا لَوْ كَانَ الْحَيَوَانُ مِمَّا لاَ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ مِنْهُ، وَلاَ حِرَاسَتُهُ كَحَمَامٍ، وَنَحْلٍ، وَدَجَاجٍ يَطِيرُ.
فَذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ - وَهُوَ رَوِايَةُ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ - إِلَى أَنَّهُ يُمْنَعُ أَرْبَابُهَا مِنِ اتِّخَاذِهِ، إِنْ آذَى النَّاسَ.
وَذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ كِنَانَةَ وَأَصْبَغُ إِلَى أَنَّهُمْ لاَ يُمْنَعُونَ مِنِ اتِّخَاذِهِ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَتْلَفَتْهُ مِنَ الزَّرْعِ، عَلَى أَرْبَابِ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ حِفْظُهَا.
وَصَوَّبَ ابْنُ عَرَفَةَ الأَْوَّل، لإِِمْكَانِ اسْتِغْنَاءِ
__________
(1) شرح معاني الآثار للطحاوي 3 / 204 و 205 (ط: بيروت) .
(2) البدائع 7 / 273.
رَبِّهَا عَنْهَا، وَضَرُورَةِ النَّاسِ لِلزَّرْعِ وَالشَّجَرِ.
وَيُؤَيِّدُهُ - كَمَا قَال الدُّسُوقِيُّ - قَاعِدَةُ ارْتِكَابِ، أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ عِنْدَ التَّقَابُل، لَكِنْ قَال: وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ - كَمَا قَال شَيْخُنَا - قَوْل ابْنِ قَاسِمٍ.
وَالاِتِّجَاهَانِ كَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (1) .
شُرُوطُ ضَمَانِ جِنَايَةِ الْحَيَوَانِ:
بَدَا مِمَّا تَقَدَّمَ اتِّفَاقُ الْفُقَهَاءِ عَلَى تَضْمِينِ جِنَايَةِ الْحَيَوَانِ، كُلَّمَا كَانَ مَعَهَا رَاكِبٌ أَوْ حَافِظٌ، أَوْ ذُو يَدٍ، وَلاَ بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ تَوَفُّرِ شُرُوطِ الضَّمَانِ الْعَامَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ: مِنَ الضَّرَرِ وَالتَّعَدِّي وَالإِْفْضَاءِ.
103 - فَالضَّرَرُ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاقِعُ عَلَى النُّفُوسِ أَوِ الأَْمْوَال (2) ، وَصَرَّحَ الْعَيْنِيُّ بِأَنَّ حَدِيثَ الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ الْمُتَقَدِّمَ، مُحْتَمِلٌ لأََنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ عَلَى الأَْبْدَانِ أَوِ الأَْمْوَال، وَذَكَرَ أَنَّ الأَْوَّل أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِيقَةِ (3) ، لِمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظِ الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ (4) .
__________
(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير 4 / 358، قبيل باب العتق، وانظر - أيضا - شرح الزرقاني 8 / 119، والدر المختار 5 / 392، وحاشية القليوبي على شرح المحلي 4 / 213.
(2) رد المحتار 5 / 386.
(3) عمدة القاري 9 / 102.
(4) الحديث تقدم في ف (102) .
الصفحة 279