كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 28)

بِالْبِنَاءِ فِي هَوَاءٍ مِلْكِ غَيْرِهِ، أَوْ هَوَاءٍ مُشْتَرَكٍ، وَلأَِنَّهُ يُعَرِّضُهُ لِلْوُقُوعِ عَلَى غَيْرِهِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَصَبَ فِيهِ مِنْجَلاً يَصِيدُ بِهِ (1) .

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: الْخَلَل الطَّارِئُ:
112 - إِذَا أُنْشِئَ الْبِنَاءُ مُسْتَقِيمًا ثُمَّ مَال، أَوْ سَلِيمًا ثُمَّ تَشَقَّقَ وَوَقَعَ، وَحَدَثَ بِسَبَبِ وُقُوعِهِ تَلَفٌ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ - اسْتِحْسَانًا - وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (2) ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَشُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنَ التَّابِعِينَ (3) إِلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ، مِنْ نَفْسٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ مَالٍ، إِذَا طُولِبَ صَاحِبُهُ بِالنَّقْضِ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ، وَمَضَتْ مُدَّةٌ يَقْدِرُ عَلَى النَّقْضِ خِلاَلَهَا، وَلَمْ يَفْعَل.
وَهَذَا قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَقَدْ قَالُوا: إِنْ أَمْكَنَهُ هَدْمُهُ أَوْ إِصْلاَحُهُ، ضَمِنَ، لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ النَّقْضِ وَالإِْصْلاَحِ (4) .
وَالْقِيَاسُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَدَمُ الضَّمَانِ، لأَِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنَ الْمَالِكِ صُنْعٌ هُوَ تَعَدٍّ، لأَِنَّ الْبِنَاءَ كَانَ فِي مِلْكِهِ مُسْتَقِيمًا، وَالْمَيَلاَنُ وَشَغْل الْهَوَاءِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ، فَلاَ يَضْمَنُ، كَمَا إِذَا لَمْ يَشْهَدْ
__________
(1) المغني بالشرح الكبير 9 / 571، 572.
(2) المغني 9 / 572، والشرح الكبير معه 5 / 450، والدسوقي 4 / 356.
(3) المبسوط 27 / 5، وتبيين الحقائق 6 / 147.
(4) شرح المحلي على المنهاج بحاشية القليوبي وعميرة 4 / 148.
عَلَيْهِ (1) ، وَلِمَا قَالُوهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَمَنْ قَتَلَهُ الْحَجَرُ، بِغَيْرِ فِعْل الْبَشَرِ، فَهُوَ بِالإِْجْمَاعِ هَدْرٌ (2) .
وَوَجْهُ الاِسْتِحْسَانِ: مَا رُوِيَ عَنِ الأَْئِمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الْمَذْكُورِينَ، وَأَنَّ الْحَائِطَ لَمَّا مَال فَقَدْ شَغَل هَوَاءَ الطَّرِيقِ بِمِلْكِهِ، وَرَفْعُهُ بِقُدْرَةِ صَاحِبِهِ، فَإِذَا تَقَدَّمَ إِلَيْهِ وَطُولِبَ بِتَفْرِيغِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، فَإِذَا امْتَنَعَ مَعَ تَمَكُّنِهِ صَارَ مُتَعَدِّيًا.
وَلأَِنَّهُ لَوْ لَمْ يَضْمَنْ يَمْتَنِعُ مِنَ الْهَدْمِ، فَيَنْقَطِعُ الْمَارَّةُ خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَيَتَضَرَّرُونَ بِهِ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ مِنَ الْوَاجِبِ، وَكَمْ مِنْ ضَرَرٍ خَاصٍّ يُتَحَمَّل لِدَفْعِ الْعَامِّ (3) .
وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ التَّقَدُّمُ، دُونَ الإِْشْهَادِ، لأَِنَّ الْمُطَالَبَةَ تَتَحَقَّقُ، وَيَنْعَدِمُ بِهِ مَعْنَى الْعُذْرِ فِي حَقِّهِ، وَهُوَ الْجَهْل بِمَيْل الْحَائِطِ (4) .
أَمَّا الإِْشْهَادُ فَلِلتَّمَكُّنِ مِنْ إِثْبَاتِهِ عِنْدَ الإِْنْكَارِ، فَكَانَ مِنْ بَابِ الاِحْتِيَاطِ (5) .
__________
(1) تبيين الحقائق 6 / 147، والفتاوى الخيرية لنفع البرية، لخير الدين الأيوبي العليمي 2 / 183 (ط بولاق 1273 هـ) .
(2) تبيين الحقائق 6 / 147.
(3) الهداية بشروحها 9 / 253، وتكملة البحر الرائق للطوري 8 / 403، والمبسوط 27 / 12، وانظر الدر المختار ورد المحتار 5 / 384، 385.
(4) المبسوط 27 / 9.
(5) البدائع 7 / 286، والهداية بشروحها 9 / 254، ودرر الحكام 2 / 110.

الصفحة 286