كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 28)

وَإِنْ كَانَ التَّجَاذُبُ لِمَصْلَحَةٍ فَلاَ قِصَاصَ وَلاَ دِيَةَ، كَمَا يَقَعُ بَيْنَ صُنَّاعِ الْحِبَال فَإِذَا تَجَاذَبَ صَانِعَانِ حَبْلاً لإِِصْلاَحِهِ فَمَاتَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَهُوَ هَدْرٌ.
وَلَوْ تَصَادَمَ الصَّبِيَّانِ فَمَاتَا، فَدِيَةُ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ الآْخَرِ، سَوَاءٌ حَصَل التَّصَادُمُ أَوِ التَّجَاذُبُ بِقَصْدٍ أَوْ بِغَيْرِ قَصْدٍ، لأَِنَّ فِعْل الصِّبْيَانِ عَمْدًا حُكْمُهُ كَالْخَطَأِ (1) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ: إِلَى أَنَّهُ إِذَا اصْطَدَمَ شَخْصَانِ - رَاكِبَانِ أَوْ مَاشِيَانِ، أَوْ رَاكِبٌ وَمَاشٍ طَوِيلٌ - بِلاَ قَصْدٍ، فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةٍ مُخَفَّفَةٍ، لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَلَكَ بِفِعْلِهِ، وَفِعْل صَاحِبِهِ، فَيُهْدَرُ النِّصْفُ، وَلأَِنَّهُ خَطَأٌ مَحْضٌ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقَعَا مُنْكَبَّيْنِ أَوْ مُسْتَلْقِيَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا مُنْكَبًّا وَالآْخَرُ مُسْتَلْقِيًا.
وَإِنْ قَصَدَا الاِصْطِدَامَ فَنِصْفُ الدِّيَةِ مُغَلَّظَةٌ عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِوَرَثَةِ الآْخَرِ، لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَلَكَ بِفِعْلِهِ وَفِعْل صَاحِبِهِ، فَيُهْدَرُ النِّصْفُ، وَلأَِنَّ الْقَتْل حِينَئِذٍ شِبْهُ عَمْدٍ فَتَكُونُ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً، وَلاَ قِصَاصَ إِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا دُونَ الآْخَرِ، لأَِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الاِصْطِدَامَ لاَ يُفْضِي إِلَى الْمَوْتِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فِي تَرِكَتِهِ
__________
(1) حاشية الدسوقي 4 / 247.
كَفَّارَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا لِقَتْل نَفْسِهِ، وَالأُْخْرَى لِقَتْل صَاحِبِهِ، لاِشْتِرَاكِهِمَا فِي إِهْلاَكِ نَفْسَيْنِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ لاَ تَتَجَزَّأُ.
وَفِي تَرِكَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ قِيمَةِ دِيَةِ الآْخَرِ، لاِشْتِرَاكِهِمَا فِي الإِْتْلاَفِ، مَعَ هَدْرِ فِعْل كُلٍّ مِنْهُمَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ.
وَلَوْ تَجَاذَبَا حَبْلاً فَانْقَطَعَ وَسَقَطَا وَمَاتَا، فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الآْخَرِ، سَوَاءٌ أَسَقَطَا مُنْكَبَّيْنِ أَمْ مُسْتَلْقِيَيْنِ، أَمْ أَحَدُهُمَا مُنْكَبًّا وَالآْخَرُ مُسْتَلْقِيًا، وَإِنْ قَطَعَهُ غَيْرُهُمَا فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِ (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا اصْطَدَمَ الْفَارِسَانِ، فَعَلَى كُل وَاحِدٍ مِنَ الْمُصْطَدِمَيْنِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ مِنَ الآْخَرِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ مَالٍ، سَوَاءٌ كَانَا مُقْبِلَيْنِ أَمْ مُدْبِرَيْنِ، لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ مِنْ صَدْمَةِ صَاحِبِهِ وَإِنَّمَا هُوَ قَرَّبَهَا إِلَى مَحَل الْجِنَايَةِ، فَلَزِمَ الآْخَرَ ضَمَانُهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ وَاقِفَةً إِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ قِيمَةَ الدَّابَّتَيْنِ إِنْ تَسَاوَتَا تَقَاصَّا وَسَقَطَتَا، وَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا أَكْثَرَ مِنَ الأُْخْرَى فَلِصَاحِبِهَا الزِّيَادَةُ، وَإِنْ مَاتَتْ إِحْدَى الدَّابَّتَيْنِ فَعَلَى الآْخَرِ قِيمَتُهَا، وَإِنْ نَقَصَتْ فَعَلَيْهِ نَقْصُهَا.
فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَسِيرُ بَيْنَ يَدَيِ الآْخَرِ، فَأَدْرَكَهُ الثَّانِي فَصَدَمَهُ فَمَاتَتِ الدَّابَّتَانِ، أَوْ
__________
(1) مغني المحتاج 4 / 89 - 90.

الصفحة 292