كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 28)

فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَالصَّاحِبَيْنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، أَنَّهَا لاَ تُضْمَنُ بِالإِْتْلاَفِ وَذَلِكَ: لأَِنَّهَا لَيْسَتْ مُحْتَرَمَةً، لاَ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلاَ تَمَلُّكُهَا (1) ، وَلأَِنَّهَا مُحَرَّمَةُ الاِسْتِعْمَال، وَلاَ حُرْمَةَ لِصَنْعَتِهَا (2) .
وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِكَسْرِهَا قِيمَتَهَا خَشَبًا مَنْحُوتًا صَالِحًا لِغَيْرِ اللَّهْوِ لاَ مِثْلَهَا، فَفِي الدُّفِّ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ دُفًّا يُوضَعُ فِيهِ الْقُطْنُ، وَفِي الْبَرْبَطِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ قَصْعَةَ ثَرِيدٍ.
وَيَصِحُّ بَيْعُهَا، لأَِنَّهَا أَمْوَالٌ مُتَقَوَّمَةٌ لِصَلاَحِيَّتِهَا بِالاِنْتِفَاعِ بِهَا فِي غَيْرِ اللَّهْوِ، فَلَمْ تُنَافِ الضَّمَانَ، كَالأَْمَةِ الْمُغَنِّيَةِ (3) ، بِخِلاَفِ الْخَمْرِ فَإِنَّهَا حَرَامٌ لِعَيْنِهَا، وَالْفَتْوَى عَلَى مَذْهَبِ الصَّاحِبَيْنِ، أَنَّهُ لاَ يَضْمَنُهَا، وَلاَ يَصِحُّ بَيْعُهَا (4) .
قَالُوا: وَأَمَّا طَبْل الْغُزَاةِ وَالصَّيَّادِينَ وَالدُّفُّ الَّذِي يُبَاحُ ضَرْبُهُ فِي الْعُرْسِ، فَمَضْمُونٌ اتِّفَاقًا (5) ، كَالأَْمَةِ الْمُغَنِّيَةِ، وَالْكَبْشِ النَّطُوحِ، وَالْحَمَامَةِ الطَّيَّارَةِ، وَالدِّيكِ الْمُقَاتِل.
__________
(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4 / 336، والمغني بالشرح الكبير 5 / 445 و 446.
(2) شرح المحلي على المنهاج بحاشية القليوبي 3 / 33.
(3) الدر المختار ورد المحتار عليه 5 / 134.
(4) الدر المختار 5 / 135.
(5) نفس المرجع.
حَيْثُ تَجِبُ قِيمَتُهَا غَيْرَ صَالِحَةٍ لِهَذَا الأَْمْرِ (1) .
وَذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ، أَنَّ هَذَا الاِخْتِلاَفَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَيْنَ صَاحِبَيْهِ إِنَّمَا هُوَ: فِي الضَّمَانِ، دُونَ إِبَاحَةِ إِتْلاَفِ الْمَعَازِفِ، وَفِيمَا يَصْلُحُ لِعَمَلٍ آخَرَ، وَإِلاَّ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا اتِّفَاقًا، وَفِيمَا إِذَا فَعَل بِغَيْرِ إِذْنِ الإِْمَامِ، وَإِلاَّ لَمْ يَضْمَنِ اتِّفَاقًا. وَفِي غَيْرِ عُودِ الْمُغَنِّي وَخَابِيَةِ الْخَمَّارِ، لأَِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكْسِرْهَا لَعَادَ لِفِعْلِهِ الْقَبِيحِ، وَفِيمَا إِذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ، فَلَوْ لِذِمِّيٍّ ضَمِنَ اتِّفَاقًا قِيمَتَهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَكَذَا لَوْ كَسَرَ صَلِيبَهُ، لأَِنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِ (2) .

ضَمَانُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِ الْفِعْل:
141 - لِمَال الْمُسْلِمِ حُرْمَةٌ كَمَا لِنَفْسِهِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَضْمِينِ مَنْ يَتْرُكُ فِعْلاً مِنْ شَأْنِهِ إِنْقَاذُ مَال الْمُسْلِمِ مِنَ الضَّيَاعِ، أَوْ نَفْسِهِ مِنَ الْهَلاَكِ.
وَلِتَفْصِيل ذَلِكَ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ تَرْك (ف 12 - 14) .

تَرْكُ الشَّهَادَةِ وَالرُّجُوعُ عَنْهَا:
142 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مَنْ يَتْرُكُ
__________
(1) نفس المرجع.
(2) رد المحتار 5 / 135.

الصفحة 304