كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 28)
فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذَلِكَ مَثَل مَنْ أَطَاعَنِي فَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ، وَمَثَل مَنْ عَصَانِي وَكَذَّبَ بِمَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ (1) .
قَال الْجَصَّاصُ: فِي قَوْله تَعَالَى {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (2) . دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ رَدَّ شَيْئًا مِنْ أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ أَوَامِرِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الإِْسْلاَمِ، سَوَاءٌ رَدَّهُ مِنْ جِهَةِ الشَّكِّ فِيهِ أَوْ مِنْ جِهَةِ تَرْكِ الْقَبُول وَالاِمْتِنَاعِ مِنَ التَّسْلِيمِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ صِحَّةَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الصَّحَابَةُ فِي حُكْمِهِمْ بِارْتِدَادِ مَنِ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَقَتْلِهِمْ وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ، لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ بِأَنَّ مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَاءَهُ وَحُكْمَهُ فَلَيْسَ مِنْ أَهْل الإِْيمَانِ (3) .
__________
(1) حديث: " إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به. . . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 13 / 250) من حديث أبي موسى.
(2) سورة النساء / 65.
(3) أحكام القرآن للجصاص 2 / 260 (ط المطبعة البهية 1347 هـ) ، تفسير الرازي 8 / 20 (ط. المطبعة البهية 1938 م) ، تفسير القرطبي 5 / 259 (ط دار الكتب المصرية) ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2 / 542 وما بعدها (ط دار الكتاب العربي 1984 م) .
ج - طَاعَةُ أُولِي الأَْمْرِ:
7 - أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ طَاعَةِ أُولِي الأَْمْرِ مِنَ الأُْمَرَاءِ وَالْحُكَّامِ، وَقَدْ نَقَل النَّوَوِيُّ عَنِ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَغَيْرِهِ هَذَا الإِْجْمَاعَ، قَال تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُول وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ} (1) وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِأُولِي الأَْمْرِ فِي الآْيَةِ: الأُْمَرَاءُ وَأَهْل السُّلْطَةِ وَالْحُكْمِ، وَهُنَاكَ قَوْلٌ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِأُولِي الأَْمْرِ فِي الآْيَةِ هُمُ الْعُلَمَاءُ، قَال الطَّبَرِيُّ: وَأَوْلَى الأَْقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَال: هُمُ الأُْمَرَاءُ وَالْوُلاَةُ، لِصِحَّةِ الأَْخْبَارِ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالأَْمْرِ بِطَاعَةِ الأَْئِمَّةِ وَالْوُلاَةِ فِيمَا كَانَ طَاعَةً لِلَّهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ مَصْلَحَةً، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: سَيَلِيكُمْ بَعْدِي وُلاَةٌ، فَيَلِيكُمُ الْبَرُّ بِبِرِّهِ وَالْفَاجِرُ بِفُجُورِهِ، فَاسْمَعُوا لَهُمْ وَأَطِيعُوا فِي كُل مَا وَافَقَ الْحَقَّ، وَصَلُّوا وَرَاءَهُمْ، فَإِنْ أَحْسَنُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ (2) وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا
__________
(1) سورة النساء / 59.
(2) حديث أبي هريرة: " سيليكم بعدي ولاة. . . ". أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 5 / 218، وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة، وهو ضعيف جدًّا.
الصفحة 323