كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 28)
وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْعُلَمَاءِ مَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ الرَّدِّ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَيَدُل هَذَا عَلَى صِحَّةِ كَوْنِ سُؤَال الْعُلَمَاءِ وَاجِبًا، وَامْتِثَال فَتْوَاهُمْ لاَزِمًا (1) .
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِأُولِي الأَْمْرِ هُمُ الأُْمَرَاءُ وَالْعُلَمَاءُ جَمِيعًا، وَبِهِ أَخَذَ الْجَصَّاصُ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ تَيْمِيَّةَ قَال الْجَصَّاصُ: وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَمْرًا بِطَاعَةِ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ أُولِي الأَْمْرِ وَهُمْ أُمَرَاءُ السَّرَايَا وَالْعُلَمَاءُ، وَقَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُمُ الأُْمَرَاءُ وَالْعُلَمَاءُ جَمِيعًا، أَمَّا الأُْمَرَاءُ فَلأَِنَّ أَصْل الأَْمْرِ مِنْهُمْ وَالْحُكْمَ إِلَيْهِمْ، وَأَمَّا الْعُلَمَاءُ فَلأَِنَّ سُؤَالَهُمْ وَاجِبٌ مُتَعَيَّنٌ عَلَى الْخَلْقِ، وَجَوَابُهُمْ لاَزِمٌ، وَامْتِثَال فَتْوَاهُمْ وَاجِبٌ، قَال ابْنُ كَثِيرٍ: وَالظَّاهِرُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي كُل أُولِي الأَْمْرِ مِنَ الأُْمَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ (2) وَقَال النَّوَوِيُّ: قَال الْعُلَمَاءُ: الْمُرَادُ بِأُولِي الأَْمْرِ مَنْ أَوْجَبَ اللَّهُ طَاعَتَهُ مِنَ الْوُلاَةِ وَالأُْمَرَاءِ، هَذَا قَوْل جَمَاهِيرِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْفُقَهَاءِ
__________
(1) تفسير القرطبي 5 / 260.
(2) تفسير الطبري 5 / 93 وما بعدها (ط الأميرية 1325 هـ) تفسير القرطبي 5 / 259 (ط دار الكتب المصرية 1958) ، أحكام القرآن للجصاص 2 / 256 (ط المطبعة البهية 1347 هـ) ، أحكام القرآن لابن العربي 1 / 452 (ط عيسى الحلبي 1957 م) ، تفسير ابن كثير 1 / 518 (ط عيسى الحلبي) ، أعلام الموقعين 1 / 9 (ط مطبعة السعادة 1955 م) ، الحسبة في الإسلام لابن تيمية 103، 104 (ط. المكتبة العلمية) .
وَغَيْرِهِمْ، وَقِيل: هُمُ الْعُلَمَاءُ، وَقِيل: الْعُلَمَاءُ وَالأُْمَرَاءُ (1) .
هـ - طَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ:
9 - طَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ وَالإِْحْسَانُ إِلَيْهِمَا فَرْضٌ عَلَى الْوَلَدِ، قَال تَعَالَى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّل مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (2) .
قَال الْقُرْطُبِيُّ: أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَجَعَل بِرَّ الْوَالِدَيْنِ مَقْرُونًا بِذَلِكَ كَمَا قَرَنَ شُكْرَهُمَا بِشُكْرِهِ فَقَال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} وَقَال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} ( x663 ;) . وَقَال الْجَصَّاصُ (4) : وَقَضَى رَبُّكَ مَعْنَاهُ:
أَمَرَ رَبُّكَ، وَأَمَرَ بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، وَقِيل مَعْنَاهُ: وَأَوْصَى بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، لأَِنَّ الْوَصِيَّةَ أَمْرٌ، وَقَدْ أَوْصَى اللَّهُ تَعَالَى بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَالإِْحْسَانِ إِلَيْهِمَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ وَقَال {وَوَصَّيْنَا الإِْنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا} (5)
__________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي 12 / 223 (ط المطبعة المصرية) .
(2) سورة الإسراء / 23، 24.
(3) القرطبي 10 / 238، والآية / 14 من سورة لقمان.
(4) أحكام القرآن للجصاص 3 / 242.
(5) سورة الأحقاف / 15.
الصفحة 325