كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 28)
قَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَضَى هَاهُنَا إِلاَّ أَمَرَ (1) .
وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُول اللَّهِ، قَال: الإِْشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ (2) .
وَقَال هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّل مِنَ الرَّحْمَةِ} : لاَ تَمْنَعْهُمَا شَيْئًا يُرِيدَانِهِ (3) .
وَحَقُّ الطَّاعَةِ لِلْوَالِدَيْنِ لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ، بَل هُوَ مَكْفُولٌ - أَيْضًا - لِلْوَالِدَيْنِ الْمُشْرِكَيْنِ، قَال الْجَصَّاصُ فِي قَوْله تَعَالَى {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} (4) . أَمَرَ بِمُصَاحَبَةِ الْوَالِدَيْنِ الْمُشْرِكَيْنِ بِالْمَعْرُوفِ مَعَ النَّهْيِ عَنْ طَاعَتِهِمَا فِي الشِّرْكِ، لأَِنَّهُ لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ (5) وَقَال ابْنُ حَجَرٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الإِْنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ
__________
(1) أحكام القرآن لابن العربي 3 / 1185.
(2) حديث أبي بكرة: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 405) .
(3) تفسير الطبري 15 / 46.
(4) سورة لقمان / 14، 15.
(5) أحكام القرآن للجصاص 3 / 242.
تُطِعْهُمَا} (1) اقْتَضَتِ الآْيَةُ الْوَصِيَّةَ بِالْوَالِدَيْنِ وَالأَْمْرَ بِطَاعَتِهِمَا وَلَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ، إِلاَّ إِذَا أَمَرَا بِالشِّرْكِ فَتَجِبُ مَعْصِيَتُهُمَا فِي ذَلِكَ (2) .
و طَاعَةُ الزَّوْجِ:
10 - طَاعَةُ الزَّوْجِ وَاجِبَةٌ عَلَى الزَّوْجَةِ. قَال اللَّهُ تَعَالَى: {الرِّجَال قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّل اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (3) .
قَال الْقُرْطُبِيُّ: قِيَامُ الرِّجَال عَلَى النِّسَاءِ هُوَ أَنْ يَقُومَ بِتَدْبِيرِهَا وَتَأْدِيبِهَا، وَإِمْسَاكِهَا فِي بَيْتِهَا وَمَنْعِهَا مِنَ الْبُرُوزِ (أَيِ الْخُرُوجِ) ، وَأَنَّ عَلَيْهَا طَاعَتَهُ وَقَبُول أَمْرِهِ مَا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَةً (4) .
وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً انْطَلَقَ غَازِيًا وَأَوْصَى امْرَأَتَهُ: أَنْ لاَ تَنْزِل مِنْ فَوْقِ الْبَيْتِ، وَكَانَ وَالِدُهَا فِي أَسْفَل الْبَيْتِ، فَاشْتَكَى أَبُوهَا، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُخْبِرُهُ وَتَسْتَأْمِرُهُ فَأَرْسَل إِلَيْهَا: اتَّقِي اللَّهَ وَأَطِيعِي زَوْجَكِ ثُمَّ إِنَّ وَالِدَهَا تُوُفِّيَ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْتَأْمِرُهُ، فَأَرْسَل إِلَيْهَا مِثْل ذَلِكَ، وَخَرَجَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْسَل إِلَيْهَا: إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكِ بِطَوَاعِيَتِكِ لِزَوْجِكِ (5) .
__________
(1) سورة العنكبوت / 8.
(2) فتح الباري 10 / 401.
(3) سورة النساء / 34.
(4) تفسير القرطبي 5 / 169 (ط دار الكتب المصرية 1937 م) .
(5) حديث أنس: " أن رجلاً انطلق غازيًا. . . ". أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ص 176.
الصفحة 326