كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 28)
أَجْرُ الصَّبْرِ عَلَى الطَّاعُونِ:
6 - جَاءَ فِي بَعْضِ الأَْحَادِيثِ اسْتِوَاءُ شَهِيدِ الطَّاعُونِ وَشَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ فَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ السُّلَمِيِّ رَفْعَهُ يَأْتِي الشُّهَدَاءُ وَالْمُتَوَفُّونَ بِالطَّاعُونِ، فَيَقُول أَصْحَابُ الطَّاعُونِ: نَحْنُ الشُّهَدَاءُ، فَيُقَال: انْظُرُوا فَإِنْ كَانَتْ جِرَاحُهُمْ كَجِرَاحِ الشُّهَدَاءِ تَسِيل دَمًا وَرِيحُهَا كَرِيحِ الْمِسْكِ فَهُمْ شُهَدَاءُ، فَيَجِدُونَهُمْ كَذَلِكَ (1) .
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَهَا نَبِيُّ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلاَّ مَا كَتَبَهُ اللَّهُ لَهُ إِلاَّ كَانَ لَهُ مِثْل أَجْرِ الشَّهِيدِ (2) . وَيُفْهَمُ مِنْ سِيَاقِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ حُصُول أَجْرِ الشَّهَادَةِ لِمَنْ يَمُوتُ بِالطَّاعُونِ مُقَيَّدٌ بِمَا يَلِي:
أ - أَنْ يَمْكُثَ صَابِرًا غَيْرَ مُنْزَعِجٍ بِالْمَكَانِ
__________
(1) حديث عتبة بن عبد السلمي: " يأتي الشهداء والمتوفون بالطاعون. . . " أخرجه أحمد (4 / 185) ، وحسنه ابن حجر في فتح الباري (10 / 194) .
(2) حديث عائشة: " أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون. . . ". أخرجه البخاري (10 / 192) .
الَّذِي يَقَعُ بِهِ الطَّاعُونُ فَلاَ يَخْرُجُ فِرَارًا مِنْهُ.
ب - أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ.
فَلَوْ مَكَثَ وَهُوَ قَلِقٌ أَوْ نَادِمٌ عَلَى عَدَمِ الْخُرُوجِ ظَانًّا أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لَمَا وَقَعَ بِهِ أَصْلاً وَرَأْسًا، وَأَنَّهُ بِإِقَامَتِهِ يَقَعُ بِهِ، فَهَذَا لاَ يَحْصُل لَهُ أَجْرُ الشَّهِيدِ وَلَوْ مَاتَ بِالطَّاعُونِ، هَذَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَفْهُومُ هَذَا الْحَدِيثِ، كَمَا اقْتَضَى مَنْطُوقُهُ أَنَّهُ مَنِ اتَّصَفَ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ يَحْصُل لَهُ أَجْرُ الشَّهِيدِ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ بِالطَّاعُونِ (1) .
وَالْمُرَادُ بِشَهَادَةِ الْمَيِّتِ بِالطَّاعُونِ أَنَّهُ يَكُونُ لَهُ فِي الآْخِرَةِ ثَوَابُ الشَّهِيدِ، وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَيُغَسَّل وَيُصَلَّى عَلَيْهِ (2) .
قَال الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ: مَنْ مَاتَ بِالطَّاعُونِ، أَوْ بِوَجَعِ الْبَطْنِ مُلْحَقٌ بِمَنْ قُتِل فِي سَبِيل اللَّهِ لِمُشَارَكَتِهِ إِيَّاهُ فِي بَعْضِ مَا يَنَالُهُ مِنَ الْكَرَامَةِ بِسَبَبِ مَا كَابَدَهُ، لاَ فِي جُمْلَةِ الأَْحْكَامِ وَالْفَضَائِل (3) .
__________
(1) فتح الباري (10 / 193 - 194) .
(2) صحيح مسلم بشرح النووي (13 / 63) .
(3) عمدة القاري (21 / 261) .
الصفحة 333