كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 28)
مُوَاظِبًا عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِهِ، وَلاَ يُضَيِّعَ مِنْ أَوْقَاتِهِ شَيْئًا فِي غَيْرِ الْعِلْمِ إِلاَّ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ، وَأَنْ تَكُونَ هِمَّتُهُ عَالِيَةً فَلاَ يَرْضَى بِالْيَسِيرِ مَعَ إِمْكَانِ الْكَثِيرِ، وَأَنْ لاَ يُسَوِّفَ فِي اشْتِغَالِهِ، وَلاَ يُؤَخِّرَ تَحْصِيل فَائِدَةٍ، لَكِنْ لاَ يُحَمِّل نَفْسَهُ مَا لاَ تُطِيقُ مَخَافَةَ الْمَلَل، وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ النَّاسِ.
ح - أَنْ يَعْتَنِيَ بِتَصْحِيحِ دَرْسِهِ الَّذِي يَتَعَلَّمُهُ تَصْحِيحًا مُتْقَنًا عَلَى الشَّيْخِ، ثُمَّ يَحْفَظَ حِفْظًا مُحْكَمًا، وَيَبْدَأَ دَرْسَهُ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ وَالصَّلاَةِ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالدُّعَاءِ لِلْعُلَمَاءِ وَمَشَايِخِهِ، وَيُدَاوِمَ عَلَى تَكْرَارِ مَحْفُوظَاتِهِ (1) .
وَسَيَأْتِي تَفْصِيل آدَابِ الْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِ فِي (طَلَبُ الْعِلْمِ) .
اسْتِحْقَاقُ طَالِبِ الْعِلْمِ لِلزَّكَاةِ:
4 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ إِعْطَاءِ الزَّكَاةِ لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ، إِذْ أَنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ إِعْطَاءَ الزَّكَاةِ لِلصَّحِيحِ الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ، وَلَوْ كَانَ تَرْكُهُ التَّكَسُّبَ اخْتِيَارًا عَلَى الْمَشْهُورِ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى جَوَازِ أَخْذِ طَالِبِ
__________
(1) المجموع للنووي 1 / 35 وما بعدها (ط. المكتبة السلفية المدينة المنورة) تذكرة السامع والمتكلم 67 وما بعدها (ط. جمعية دائرة المعارف العثمانية 1353 هـ) ، إحياء علوم الدين 1 / 55 (ط. مصطفى الحلبي 1939 م) .
الْعِلْمِ الزَّكَاةَ وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا إِذَا فَرَّغَ نَفْسَهُ لإِِفَادَةِ الْعِلْمِ وَاسْتِفَادَتِهِ، لِعَجْزِهِ عَنِ الْكَسْبِ.
نَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْمَبْسُوطِ قَوْلَهُ: لاَ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَى مَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا إِلاَّ إِلَى طَالِبِ الْعِلْمِ، وَالْغَازِي، وَمُنْقَطِعِ الْحَجِّ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَالأَْوْجَهُ تَقْيِيدُهُ بِالْفَقِيرِ وَيَكُونُ طَلَبُ الْعِلْمِ مُرَخِّصًا لِجَوَازِ سُؤَالِهِ مِنَ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ إِذْ بِدُونِهِ لاَ يَحِل لَهُ السُّؤَال.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ تَحِل لِطَالِبِ الْعِلْمِ الزَّكَاةُ إِذَا لَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ بَيْنَ طَلَبِ الْعِلْمِ وَالتَّكَسُّبِ بِحَيْثُ لَوْ أَقْبَل عَلَى الْكَسْبِ لاَنْقَطَعَ عَنِ التَّحْصِيل.
قَال النَّوَوِيُّ: وَلَوْ قَدَرَ عَلَى كَسْبٍ يَلِيقُ بِحَالِهِ إِلاَّ أَنَّهُ مُشْتَغِلٌ بِتَحْصِيل بَعْضِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ بِحَيْثُ لَوْ أَقْبَل عَلَى الْكَسْبِ لاَنْقَطَعَ مِنَ التَّحْصِيل حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ، لأَِنَّ تَحْصِيل الْعِلْمِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَأَمَّا مَنْ لاَ يَتَأَتَّى مِنْهُ التَّحْصِيل لاَ تَحِل لَهُ الزَّكَاةُ إِذَا قَدَرَ عَلَى الْكَسْبِ وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا بِالْمَدْرَسَةِ.
وَقَال الْبُهُوتِيُّ: وَإِنْ تَفَرَّغَ قَادِرًا عَلَى التَّكَسُّبِ لِلْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لاَزِمًا لَهُ - وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالتَّكَسُّبِ أُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ لِحَاجَتِهِ.
وَسُئِل ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَمَّنْ لَيْسَ مَعَهُ مَا يَشْتَرِي بِهِ كُتُبًا يَشْتَغِل فِيهَا، فَقَال: يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنَ
الصفحة 336