كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 28)

لاَ يُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُنْزِل بِهِ، لأَِنَّهُ إِنْزَالٌ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ، فَأَشْبَهَ الاِحْتِلاَمَ. قَال الْقَلْيُوبِيُّ: النَّظَرُ وَالْفِكْرُ الْمُحَرِّكُ لِلشَّهْوَةِ، كَالْقُبْلَةِ، فَيَحْرُمُ وَإِنْ لَمْ يُفْطِرْ بِهِ (1) .
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ إِنْ أَمْنَى بِمُجَرَّدِ الْفِكْرِ أَوِ النَّظَرِ، مِنْ غَيْرِ اسْتِدَامَةٍ لَهُمَا، يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ.
وَإِنِ اسْتَدَامَهُمَا حَتَّى أَنْزَل فَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهُ الإِْنْزَال بِهِمَا عِنْدَ الاِسْتِدَامَةِ، فَالْكَفَّارَةُ قَطْعًا، وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهُ عَدَمَ الإِْنْزَال بِهِمَا عِنْدَ الاِسْتِدَامَةِ، فَخَالَفَ عَادَتَهُ وَأَمْنَى، فَقَوْلاَنِ فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ، وَاخْتَارَ اللَّخْمِيُّ عَدَمَ اللُّزُومِ.
وَلَوْ أَمْنَى فِي أَدَاءِ رَمَضَانَ بِتَعَمُّدِ نَظْرَةٍ وَاحِدَةٍ يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ، وَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِهِ تَأْوِيلاَنِ، مَحَلُّهُمَا إِذَا كَانَتْ عَادَتُهُ الإِْنْزَال بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ، وَإِلاَّ فَلاَ كَفَّارَةَ اتِّفَاقًا (2) .
وَقَال الأَْذْرَعِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَتَبِعَهُ شَيْخُ الْقَلْيُوبِيِّ، وَالرَّمْلِيُّ: يُفْطِرُ إِذَا عَلِمَ الإِْنْزَال
__________
(1) حاشية القليوبي 2 / 59، وانظر الدر المختار 2 / 98، والإقناع للشربيني الخطيب 2 / 331.
(2) الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه 1 / 529، وجواهر الإكليل 1 / 150، والقوانين الفقهية ص 81، وانظر منح الجليل 1 / 402، 403.
بِالْفِكْرِ وَالنَّظَرِ، وَإِنْ لَمْ يُكَرِّرْهُ (1) .
وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ النَّظَرِ وَبَيْنَ الْفِكْرِ، فَفِي النَّظَرِ إِذَا أَمْنَى يَفْسُدُ الصَّوْمُ، لأَِنَّهُ أَنْزَل بِفِعْلٍ يَتَلَذَّذُ بِهِ، وَيُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، فَأَفْسَدَ الصَّوْمَ، كَالإِْنْزَال بِاللَّمْسِ، وَالْفِكْرُ لاَ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، بِخِلاَفِ النَّظَرِ.
وَلَوْ أَمْذَى بِتَكْرَارِ النَّظَرِ، فَظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ لاَ يُفْطِرُ بِهِ، لأَِنَّهُ لاَ نَصَّ فِي الْفِطْرِ بِهِ، وَلاَ يُمْكِنُ قِيَاسُهُ عَلَى إِنْزَال الْمَنِيِّ، لِمُخَالَفَتِهِ إِيَّاهُ فِي الأَْحْكَامِ، فَيَبْقَى عَلَى الأَْصْل (2) .
وَإِذَا لَمْ يُكَرِّرِ النَّظَرَ لاَ يُفْطِرُ، سَوَاءٌ أَمْنَى أَوْ أَمْذَى، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِعَدَمِ إِمْكَانِ التَّحَرُّزِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ: يُفْطِرُ بِالْمَنِيِّ لاَ بِالْمَذْيِ (3) .
أَمَّا الْفِكْرُ، فَإِنَّ الإِْنْزَال بِهِ لاَ يُفْسِدُ الصَّوْمَ. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: الإِْفْسَادَ بِهِ، لأَِنَّ الْفِكْرَ يَدْخُل تَحْتَ الاِخْتِيَارِ، لَكِنَّ جُمْهُورَهُمُ اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُِمَّتِي عَمَّا وَسْوَسَتْ أَوْ حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَل بِهِ أَوْ تَكَلَّمْ (4) وَلأَِنَّهُ لاَ نَصَّ فِي الْفِطْرِ بِهِ وَلاَ
__________
(1) حاشية القليوبي على شرح المحلي على المنهاج 2 / 59.
(2) المغني 3 / 49، وانظر أيضا: الروض المربع 1 / 140.
(3) الإنصاف 3 / 302.
(4) حديث أبي هريرة " إن الله تجاوز لأمتي. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 11 / 549) ومسلم (1 / 117) واللفظ للبخاري.

الصفحة 34