كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 28)

الْعِلَّةُ وُجِدَ الْحُكْمُ دُونَ أَنْ يُعَارِضَهَا نَقْضٌ وَإِلاَّ بَطَلَتِ الْعِلَّةُ.
قَال الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبَحْرِ عِنْدَ سَرْدِهِ لِشُرُوطِ الْعِلَّةِ: السَّادِسُ: أَنْ تَكُونَ مُطَّرِدَةً أَيْ كُلَّمَا وُجِدَتْ وُجِدَ الْحُكْمُ لِتَسْلَمَ مِنَ النَّقْصِ وَالْكَسْرِ.
وَقَال الْعَضُدُ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْمُنْتَهَى: قَدْ يُعَدُّ مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ أَنْ تَكُونَ مُطَّرِدَةً أَيْ كُلَّمَا وُجِدَتْ وُجِدَ الْحُكْمُ، وَعَدَمُهُ يُسَمَّى نَقْضًا، وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ الْوَصْفُ الَّذِي يُدَّعَى أَنَّهُ عِلَّةٌ فِي مَحَلٍّ مَا مَعَ عَدَمِ الْحُكْمِ فِيهِ وَتَخَلُّفِهِ عَنْهَا (1) .
6 - وَاخْتَلَفَ الأُْصُولِيُّونَ فِي كَوْنِ الطَّرْدِ مُفِيدًا لِلْعِلِّيَّةِ - أَيِ اعْتِبَارِهِ مَسْلَكًا مِنْ مَسَالِكِهَا - فَذَهَبَ أَكْثَرُ الأُْصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ وَلاَ يَكُونُ حُجَّةً مُسْتَدِلِّينَ بِفِعْل الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - حَيْثُ إِنَّهُمْ مَتَى مَا عَدِمُوا الدَّلِيل مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ اسْتَنَدُوا فِي أَقْيِسَتِهِمْ إِلَى إِجْمَاعِهِمْ عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَفْقًا لِلْمَصَالِحِ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا الشَّرِيعَةُ الإِْسْلاَمِيَّةُ، وَلَمْ نَجِدْهُمْ بِحَالٍ يَحْتَكِمُونَ بِطَرْدٍ لاَ يُنَاسِبُ الْحُكْمَ وَلاَ يُثِيرُ شُبَهًا وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ فِي
__________
(1) البحر المحيط 5 / 135 (ط وزارة الأوقاف - الكويت 1988 م) ، العضد على ابن الحاجب 2 / 218، التبصرة في أصول الفقه 460 بتحقيق د. محمد حسن هيتو - (ط. دار الفكر 1980 م) .
شَيْءٍ، وَقَدْ دَلَّنَا ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ أَدْرَكُوا أَنَّ الطَّرَدَ لاَ يَسْتَنِدُ إِلَى دَلِيلٍ سَمْعِيٍّ قَاطِعٍ، بَل الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْبَوْنَهُ وَلاَ يَرَوْنَهُ، وَمِمَّا لاَ شَكَّ فِيهِ أَنَّهُمْ لَوْ وَجَدُوا فِي الطَّرَدِ مَنَاطًا لأَِحْكَامِ اللَّهِ لَمَا أَهْمَلُوهُ وَعَطَّلُوهُ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الأُْصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّهُ مُفِيدٌ لِلْعِلِّيَّةِ وَمُحْتَجٌّ بِهِ فِيهَا، وَجِهَتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ وُجُودَ الْحُكْمِ مَعَ الْوَصْفِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ مَا عَدَا صُورَةَ النِّزَاعِ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ عِلَّةً، لأَِنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لِلْحُكْمِ عِلَّةٌ غَيْرُهُ، فَلَوْ لَمْ يُجْعَل هَذَا الْوَصْفُ عِلَّةً لِلْحُكْمِ لَخَلاَ الْحُكْمُ عَنِ الْعِلَّةِ فَيَخْلُو عَنِ الْمَصْلَحَةِ، وَهَذَا خِلاَفُ مَا ثَبَتَ بِالاِسْتِقْرَاءِ مِنْ أَنَّ كُل حُكْمٍ لاَ يَخْلُو عَنْ مَصْلَحَةٍ، وَحَيْثُ ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ فِي غَيْرِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، ثَبَتَتِ الْعِلِّيَّةُ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ كَذَلِكَ إِلْحَاقًا بِالْكَثِيرِ الْغَالِبِ فَيَكُونُ الظَّنُّ مُفِيدًا لِلْعِلِّيَّةِ وَهُوَ الْمُدَّعَى (1) .
وَسَيَأْتِي تَفْصِيل ذَلِكَ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
__________
(1) البرهان 2 / 788، الإبهاج 3 / 78، والمستصفى 2 / 307 (ط. دار صادر) ، نهاية السول في شرح منهاج الوصول 4 / 135 (ط. عالم الكتب) .

الصفحة 342