كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 28)

خَرَجَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ مُسَافِرًا، وَأَفْطَرَ (1) .
وَلأَِنَّ السَّفَرَ إِنَّمَا كَانَ سَبَبَ الرُّخْصَةِ لِمَكَانِ الْمَشَقَّةِ.
وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْ أَبِي مَخْلَدٍ التَّابِعِيِّ أَنَّهُ لاَ يُسَافِرُ، فَإِنْ سَافَرَ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَحُرِّمَ الْفِطْرُ وَعَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ التَّابِعِيِّ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ، وَلاَ يَمْتَنِعُ السَّفَرُ، وَاسْتَدَل لَهُمَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (2) .
حَكَى الْكَاسَانِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهُ إِذَا أَهَل فِي الْمِصْرِ، ثُمَّ سَافَرَ، لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ. وَاسْتَدَل لَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وَلأَِنَّهُ لَمَّا اسْتَهَل فِي الْحَضَرِ لَزِمَهُ صَوْمُ الإِْقَامَةِ، وَهُوَ صَوْمُ الشَّهْرِ حَتْمًا، فَهُوَ بِالسَّفَرِ يُرِيدُ إِسْقَاطَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَلاَ يَمْلِكُ ذَلِكَ، كَالْيَوْمِ الَّذِي سَافَرَ فِيهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِيهِ (3) .
58 - وَفِي وَقْتِ جَوَازِ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ ثَلاَثُ أَحْوَالٍ:
__________
(1) حديث: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة الفتح في رمضان. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 8 / 3) من حديث ابن عباس.
(2) سورة البقرة / 185.
(3) البدائع بتصرف 2 / 94 و 95.
الأُْولَى:
أَنْ يَبْدَأَ السَّفَرَ قَبْل الْفَجْرِ، أَوْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُسَافِرٌ، وَيَنْوِيَ الْفِطْرَ، فَيَجُوزَ لَهُ الْفِطْرُ إِجْمَاعًا - كَمَا قَال ابْنُ جُزَيٍّ - لأَِنَّهُ مُتَّصِفٌ بِالسَّفَرِ، عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يَبْدَأَ السَّفَرَ بَعْدَ الْفَجْرِ، بِأَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُقِيمٌ بِبَلَدِهِ، ثُمَّ يُسَافِرَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، أَوْ خِلاَل النَّهَارِ، فَإِنَّهُ لاَ يَحِل لَهُ الْفِطْرُ بِإِنْشَاءِ السَّفَرِ بَعْدَمَا أَصْبَحَ صَائِمًا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ إِتْمَامُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَذَلِكَ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْحَضَرِ (1) .
وَمَعَ ذَلِكَ لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي إِفْطَارِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَفِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ، خِلاَفًا لاِبْنِ كِنَانَةَ، وَذَلِكَ لِلشُّبْهَةِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ (2) . وَلأَِنَّهُ لَمَّا سَافَرَ بَعْدَ الْفَجْرِ صَارَ مِنْ أَهْل الْفِطْرِ، فَسَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ.
وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْفِطْرُ حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ بِالْجِمَاعِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ (3) .
__________
(1) الوجيز 1 / 103، والدر المختار 2 / 122، والقوانين الفقهية ص 82، وشرح المحلي على المنهاج 2 / 64، والمغني 3 / 19، والروض المربع 1 / 139.
(2) الدر المختار ورد المحتار 3 / 122، 123، والقوانين الفقهية ص 82، وانظر مراقي الفلاح ص 369.
(3) الشرح الكبير للدردير 1 / 535، ومنح الجليل 1 / 410، حاشية القليوبي على شرح المحلي 2 / 64، وروضة الطالبين 2 / 369.

الصفحة 48