كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 28)

اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَْسْلَمِيَّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ - وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ - فَقَال: إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ (1) .

انْقِطَاعُ رُخْصَةِ السَّفَرِ:
61 - تَسْقُطُ رُخْصَةُ السَّفَرِ بِأَمْرَيْنِ اتِّفَاقًا:
الأَْوَّل: إِذَا عَادَ الْمُسَافِرُ إِلَى بَلَدِهِ، وَدَخَل وَطَنَهُ، وَهُوَ مَحَل إقَامَتِهِ، وَلَوْ كَانَ دُخُولُهُ بِشَيْءٍ نَسِيَهُ، يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ، كَمَا لَوْ قَدِمَ لَيْلاً، أَوْ قَدِمَ قَبْل نِصْفِ النَّهَارِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (2) .
أَمَّا لَوْ قَدِمَ نَهَارًا، وَلَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ لَيْلاً، أَوْ قَدِمَ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ نَوَى الصَّوْمَ قَبْلاً - فَإِنَّهُ يُمْسِكُ بَقِيَّةَ النَّهَارِ، عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ فِي وُجُوبِ إِمْسَاكِهِ.
الثَّانِي: إِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ الإِْقَامَةَ مُطْلَقًا، أَوْ مُدَّةَ الإِْقَامَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي شُرُوطِ جَوَازِ فِطْرِ الْمُسَافِرِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ الْمَكَانُ صَالِحًا لِلإِْقَامَةِ، لاَ كَالسَّفِينَةِ وَالْمَفَازَةِ وَدَارِ الْحَرْبِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِذَلِكَ، فَيُتِمُّ الصَّلاَةَ،
__________
(1) حديث عائشة: " أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم. . . " الحديث. أخرجه البخاري (4 / 179) ومسلم (2 / 789) .
(2) الدر المختار ورد المحتار عليه 2 / 106.
وَيَصُومُ وَلاَ يُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ، لاِنْقِطَاعِ حُكْمِ السَّفَرِ (1) .
وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْفِطْرُ - عَلَى الصَّحِيحِ - لِزَوَال الْعُذْرِ، وَفِي قَوْلٍ: يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، اعْتِبَارًا بِأَوَّل الْيَوْمِ (2) .
قَال ابْنُ جُزَيٍّ: إِنَّ السَّفَرَ لاَ يُبِيحُ قَصْرًا وَلاَ فِطْرًا إِلاَّ بِالنِّيَّةِ وَالْفِعْل، بِخِلاَفِ الإِْقَامَةِ، فَإِنَّهَا تُوجِبُ الصَّوْمَ وَالإِْتْمَامَ بِالنِّيَّةِ دُونَ الْفِعْل (3) .
وَإِذَا لَمْ يَنْوِ الإِْقَامَةَ لَكِنَّهُ أَقَامَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ لَهُ، بِلاَ نِيَّةِ إقَامَةٍ، وَلاَ يَدْرِي مَتَى تَنْقَضِي، أَوْ كَانَ يَتَوَقَّعُ انْقِضَاءَهَا فِي كُل وَقْتٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، كَمَا يَقْصُرَ الصَّلاَةَ. قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَلَوْ بَقِيَ عَلَى ذَلِكَ سِنِينَ.
فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهَا لاَ تَنْقَضِي إِلاَّ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مُقِيمًا، فَلاَ يُفْطِرُ وَلاَ يَقْصُرُ، إِلاَّ إِذَا كَانَ الْفَرْضُ قِتَالاً - كَمَا قَال الْغَزَالِيُّ - فَإِنَّهُ يَتَرَخَّصُ عَلَى أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ، أَوْ دَخَل الْمُسْلِمُونَ أَرْضَ الْحَرْبِ أَوْ حَاصَرُوا حِصْنًا فِيهَا، أَوْ كَانَتِ الْمُحَاصَرَةُ لِلْمِصْرِ عَلَى سَطْحِ الْبَحْرِ، فَإِنَّ لِسَطْحِ الْبَحْرِ
__________
(1) البدائع 2 / 97 و 98، وانظر الشرح الكبير للدردير 1 / 535، وشرح المحلي على المنهاج 2 / 64 و 1 / 257، والوجيز 1 / 58.
(2) شرح المحلي على المنهاج 2 / 64.
(3) القوانين الفقهية ص 82.

الصفحة 53