كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 28)

حُكْمَ دَارِ الْحَرْبِ (1) .
وَدَلِيل هَذَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلاَةَ (2) وَيُلاَحَظُ أَنَّ الْفِطْرَ كَالْقَصْرِ الَّذِي نَصُّوا عَلَيْهِ فِي صَلاَةِ الْمُسَافِرِ، مِنْ حَيْثُ التَّرَخُّصُ، فَإِنَّ الْمُسَافِرَ لَهُ سَائِرُ رُخَصِ السَّفَرِ (3) .

ثَالِثًا: الْحَمْل وَالرَّضَاعُ:
62 - الْفُقَهَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْحَامِل وَالْمُرْضِعَ لَهُمَا أَنْ تُفْطِرَا فِي رَمَضَانَ، بِشَرْطِ أَنْ تَخَافَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ عَلَى وَلَدِهِمَا الْمَرَضَ أَوْ زِيَادَتَهُ، أَوِ الضَّرَرَ أَوِ الْهَلاَكَ، فَالْوَلَدُ مِنَ الْحَامِل بِمَنْزِلَةِ عُضْوٍ مِنْهَا، فَالإِْشْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ كَالإِْشْفَاقِ مِنْهُ عَلَى بَعْضِ أَعْضَائِهَا (4) .
قَال الدَّرْدِيرُ: وَيَجِبُ (يَعْنِي الْفِطْرَ) إِنْ خَافَتَا هَلاَكًا أَوْ شَدِيدَ أَذًى، وَيَجُوزُ إِنْ خَافَتَا عَلَيْهِ الْمَرَضَ أَوْ زِيَادَتَهُ.
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى كَرَاهَةِ صَوْمِهِمَا، كَالْمَرِيضِ (5) .
__________
(1) الدر المختار 1 / 529، والاختيار 1 / 80، والقوانين الفقهية ص 59، والإقناع بحاشية البجيرمي 2 / 154، والروض المربع 1 / 90، والوجيز 1 / 58 و 59.
(2) انظر الروض المربع 1 / 90، وحديث: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك عشرين يوما. . . ". أخرجه أبو داود (2 / 27) وأعله بالإرسال، وأعله الدارقطني بالإرسال والانقطاع كذا في التلخيص لابن حجر (2 / 45) .
(3) حاشية البجيرمي على شرح الإقناع للخطيب 2 / 154.
(4) المغني مع الشرح الكبير 3 / 20.
(5) الشرح الكبير للدردير 1 / 536، وجواهر الإكليل 1 / 153، ومنح الجليل 1 / 410، وكشاف القناع 2 / 313.
وَدَلِيل تَرْخِيصِ الْفِطْرِ لَهُمَا: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ (1) } وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الْمَرَضِ صُورَتَهُ، أَوْ عَيْنَ الْمَرَضِ، فَإِنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لاَ يَضُرُّهُ الصَّوْمُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، فَكَانَ ذِكْرُ الْمَرَضِ كِنَايَةً عَنْ أَمْرٍ يَضُرُّ الصَّوْمُ مَعَهُ، وَهُوَ مَعْنَى الْمَرَضِ، وَقَدْ وُجِدَ هَاهُنَا، فَيَدْخُلاَنِ تَحْتَ رُخْصَةِ الإِْفْطَارِ (2) .
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْحَمْل مَرَضٌ حَقِيقَةً، وَالرَّضَاعَ فِي حُكْمِ الْمَرَضِ، وَلَيْسَ مَرَضًا حَقِيقَةً (3) .
وَكَذَلِكَ، مِنْ أَدِلَّةِ تَرْخِيصِ الْفِطْرِ لَهُمَا، حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْكَعْبِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَال: إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلاَةِ، وَعَنِ الْحَامِل أَوِ الْمُرْضِعِ الصَّوْمَ أَوِ الصِّيَامَ وَفِي لَفْظِ بَعْضِهِمْ: عَنِ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ (4) .
وَإِطْلاَقُ لَفْظِ الْحَامِل يَتَنَاوَل - كَمَا نَصَّ الْقَلْيُوبِيُّ - كُل حَمْلٍ، وَلَوْ مِنْ زِنًا وَسَوَاءٌ أَكَانَتِ الْمُرْضِعُ أُمًّا لِلرَّضِيعِ، أَمْ كَانَتْ
__________
(1) سورة البقرة / 185.
(2) البدائع 2 / 97.
(3) الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه 1 / 536، وانظر حاشية البجيرمي على الإقناع 2 / 346.
(4) حديث: " إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة. . . ". أخرجه الترمذي (3 / 85) ، واللفظ الثاني أخرجه النسائي (4 / 190) . وقال الترمذي: حديث حسن.

الصفحة 54