كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 28)

شَهْوَةُ الْبَطْنِ، يُضَافُ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُ مُفْتِرٌ وَحَرَامٌ، لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ: نَهَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُل مُسْكِرٍ وَمُفْتِرٍ (1) .
وَدَلِيل وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ أَكَل أَوْ شَرِبَ عَمْدًا، مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلاً أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ، أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا (2) فَإِنَّهُ عَلَّقَ الْكَفَّارَةَ بِالإِْفْطَارِ، وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ وَاقِعَةَ حَالٍ لاَ عُمُومَ لَهَا، لَكِنَّهَا عُلِّقَتْ بِالإِْفْطَارِ، لاَ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِ الإِْفْطَارِ وَلَفْظُ الرَّاوِي عَامٌّ، فَاعْتُبِرَ، كَقَوْلِهِ: قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ (3) .
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ أَكَل أَوْ شَرِبَ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَدَاءً، وَذَلِكَ لأَِنَّ النَّصَّ - وَهُوَ حَدِيثُ الأَْعْرَابِيِّ الَّذِي وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ - وَرَدَ فِي الْجِمَاعِ، وَمَا عَدَاهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ. وَلأَِنَّهُ
__________
(1) حديث: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر ". أخرجه أبو داود (4 / 90) وإسناده ضعيف. وانظر مراقي الفلاح بحاشية الطحطاوي عليه ص 364.
(2) حديث " أنه أمر رجلا أفطر في رمضان أن يعتق رقبة. . . ". تقدم في الفقرة رقم 68.
(3) تبيين الحقائق وحاشية الشلبي عليه 1 / 327 و 328، قوله: وقضى بالشفعة للجار مستنبط من قوله صلى الله عليه وسلم: " الجار أحق بشفعته ". أخرجه الترمذي (3 / 642) من حديث جابر وقال: حديث حسن غريب.
لاَ نَصَّ فِي إِيجَابِ الْكَفَّارَةِ بِهَذَا، وَلاَ إِجْمَاعَ.
وَلاَ يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الْجِمَاعِ؛ لأَِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى الزَّجْرِ عَنْهُ أَمَسُّ، وَالْحِكْمَةُ فِي التَّعَدِّي بِهِ آكَدُ، وَلِهَذَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ إِذَا كَانَ مُحَرَّمًا (1) .

ثَالِثًا: رَفْعُ النِّيَّةِ:
70 - وَمِمَّا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، مَا لَوْ تَعَمَّدَ رَفْعَ النِّيَّةِ نَهَارًا، كَأَنْ يَقُول - وَهُوَ صَائِمٌ: رَفَعْتُ نِيَّةَ صَوْمِي، أَوْ يَقُول رَفَعْتُ نِيَّتِي.
وَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ، رَفْعُ النِّيَّةِ فِي اللَّيْل، كَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ نَاوٍ لِلصَّوْمِ، لأَِنَّهُ رَفَعَهَا فِي مَحِلِّهَا فَلَمْ تَقَعِ النِّيَّةُ فِي مَحِلِّهَا.
وَكَذَلِكَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِالإِْصْبَاحِ بِنِيَّةِ الْفِطْرِ، وَلَوْ نَوَى الصِّيَامَ بَعْدَهُ، عَلَى الأَْصَحِّ كَمَا يَقُول ابْنُ جُزَيٍّ.
أَمَّا إِنْ عَلَّقَ الْفِطْرَ عَلَى شَيْءٍ، كَأَنْ يَقُول: إِنْ وَجَدْتُ طَعَامًا أَكَلْتُ فَلَمْ يَجِدْهُ، أَوْ وَجَدَهُ وَلَمْ يُفْطِرْ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ.
أَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ بِتَرْكِ النِّيَّةِ دُونَ الْكَفَّارَةِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَفِي الْوَجْهِ الآْخَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يَجِبُ الْقَضَاءُ (2) .
__________
(1) فتح القدير شرح الهداية 2 / 264، وشرح المحلي بحاشية القليوبي 2 / 70، والمغني والشرح الكبير 3 / 64 و 65، وكشاف القناع 2 / 327، وانظر الإنصاف 2 / 321.
(2) الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه 1 / 528، والقوانين الفقهية ص 82، والدر المختار ورد المحتار عليه، بتصرف 2 / 103، ومراقي الفلاح وحاشية الطحطاوي عليه ص 361، وشرح المحلي على المنهاج 2 / 64، وكشاف القناع 2 / 316، وانظر المهذب مع المجموع 6 / 297.

الصفحة 61