كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 29)

تَرِبَتْ يَدَاك (1) وَقَال لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عِنْدَمَا خَطَبَ امْرَأَةً: انْظُرْ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا (2) . وَقَال: تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُْمَمَ (3) ، وَقَال لأَِوْلِيَاءِ النِّسَاءِ: إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَْرْضِ وَفَسَادٌ (4) .
إِلاَّ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ - عَلَى أَهَمِّيَّتِهِ - قَدْ لاَ يَضْمَنُ اسْتِمْرَارَ السَّعَادَةِ وَالاِسْتِقْرَارِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، فَرُبَّمَا قَصَّرَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي الأَْخْذِ بِمَا تَقَدَّمَ، وَرُبَّمَا أَخَذَا بِهِ، وَلَكِنْ جَدَّ فِي حَيَاةِ الزَّوْجَيْنِ الْهَانِئَيْنِ مَا يُثِيرُ بَيْنَهُمَا الْقَلاَقِل وَالشِّقَاقَ، كَمَرَضِ أَحَدِهِمَا أَوْ عَجْزِهِ وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِسَبَبِ عَنَاصِرَ خَارِجَةٍ عَنِ الزَّوْجَيْنِ أَصْلاً، كَالأَْهْل وَالْجِيرَانِ وَمَا إِلَى ذَلِكَ، وَرُبَّمَا كَانَ سَبَبُ
__________
(1) حديث: " تنكح المرأة لأربع. . . " أخرجه البخاري فتح الباري (9 / 132) ومسلم (2 / 1086) من حديث أبي هريرة.
(2) حديث: " انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما " أخرجه الترمذي (3 / 388) وقال: حديث حسن.
(3) حديث: " تزوجوا الودود الولود. . . " أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (4 / 258) من حديث أنس، وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط، وإسناده حسن.
(4) حديث: " إذا جاءكم من ترضون دينه. . . ". أخرجه الترمذي (3 / 386) من حديث أبي حاتم المزني وقال حديث حسن غريب.
ذَلِكَ انْصِرَافَ الْقَلْبِ وَتَغَيُّرَهُ، فَيُبْدَأُ بِنُصْحِ الزَّوْجَيْنِ وَإِرْشَادِهِمَا إِلَى الصَّبْرِ وَالاِحْتِمَال، وَبِخَاصَّةٍ إِذَا كَانَ التَّقْصِيرُ مِنَ الزَّوْجَةِ، قَال تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَل اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (1) .
إِلاَّ أَنَّ مِثْل هَذَا الصَّبْرِ قَدْ لاَ يَتَيَسَّرُ لِلزَّوْجَيْنِ أَوْ لاَ يَسْتَطِيعَانِهِ، فَرُبَّمَا كَانَتْ أَسْبَابُ الشِّقَاقِ فَوْقَ الاِحْتِمَال، أَوْ كَانَا فِي حَالَةٍ نَفْسِيَّةٍ لاَ تُسَاعِدُهُمَا عَلَى الصَّبْرِ، وَفِي هَذِهِ الْحَال: إِمَّا أَنْ يَأْمُرَ الشَّرْعُ بِالإِْبْقَاءِ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ مَعَ اسْتِمْرَارِ الشِّقَاقِ الَّذِي قَدْ يَتَضَاعَفُ وَيُنْتَجُ عَنْهُ فِتْنَةٌ، أَوْ جَرِيمَةٌ، أَوْ تَقْصِيرٌ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ عَلَى الأَْقَل تَفْوِيتُ الْحِكْمَةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا شُرِعَ النِّكَاحُ، وَهِيَ الْمَوَدَّةُ وَالأُْلْفَةُ وَالنَّسْل الصَّالِحُ، وَإِمَّا أَنْ يَأْذَنَ بِالطَّلاَقِ وَالْفِرَاقِ، وَهُوَ مَا اتَّجَهَ إِلَيْهِ التَّشْرِيعُ الإِْسْلاَمِيُّ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الطَّلاَقَ قَدْ يَتَمَحَّضُ طَرِيقًا لإِِنْهَاءِ الشِّقَاقِ وَالْخِلاَفِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ؛ لِيَسْتَأْنِفَ الزَّوْجَانِ بَعْدَهُ حَيَاتَهُمَا مُنْفَرِدَيْنِ أَوْ مُرْتَبِطَيْنِ بِرَوَابِطَ زَوْجِيَّةٍ أُخْرَى، حَيْثُ يَجِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَنْ يَأْلَفُهُ وَيَحْتَمِلُهُ، قَال تَعَالَى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ
__________
(1) آية 19 من سورة النساء.

الصفحة 10