كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 29)

أ - شُرُوطُ اللَّفْظِ:
يُشْتَرَطُ فِي اللَّفْظِ الْمُسْتَعْمَل فِي الطَّلاَقِ شُرُوطٌ هِيَ:

الشَّرْطُ الأَْوَّل: الْقَطْعُ أَوِ الظَّنُّ بِحُصُول اللَّفْظِ وَفَهْمِ مَعْنَاهُ:
28 - الْمُرَادُ هُنَا: حُصُول اللَّفْظِ وَفَهْمُ مَعْنَاهُ، وَلَيْسَ نِيَّةُ وُقُوعِ الطَّلاَقِ بِهِ، وَقَدْ تَكُونُ نِيَّةُ الْوُقُوعِ شَرْطًا فِي أَحْوَالٍ كَمَا سَيَأْتِي.
وَعَلَى هَذَا إِذَا حَلَفَ الْمُطَلِّقُ بِشَيْءٍ، ثُمَّ شَكَّ أَكَانَ حَلِفُهُ بِطَلاَقٍ أَمْ بِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَغْوٌ وَلاَ يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ إِذَا شَكَّ أَطَلَّقَ أَمْ لاَ؟ فَإِنَّهُ لاَ يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ بَابٍ أَوْلَى، فَإِنْ تَيَقَّنَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ طَلَّقَ ثُمَّ شَكَّ فِي الْعَدَدِ، أَطَلَّقَ وَاحِدَةً، أَمْ ثِنْتَيْنِ، أَمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؟ بَنَى عَلَى الأَْقَل لِحُصُول الْيَقِينِ أَوِ الظَّنِّ بِهِ وَالشَّكِّ فِيمَا فَوْقَهُ، وَالشَّكُّ لاَ يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ بِخِلاَفِ الظَّنِّ وَالْيَقِينِ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَمِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ، وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يَتَحَرَّى، فَإِنِ اسْتَوَيَا عِنْدَهُ حُمِل بِأَشَدِّ ذَلِكَ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا فِي قَضَايَا الْفُرُوجِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ تَعْلِيقًا عَلَى ذَلِكَ: وَيُمْكِنُ حَمْل الأَْوَّل عَلَى الْقَضَاءِ، وَالثَّانِي عَلَى الدِّيَانَةِ (1) .
__________
(1) الدر المختار وابن عابدين عليه 3 / 283 - 284، والشرح الكبير 2 / 401، ومغني المحتاج 3 / 280، 303، والمغني 7 / 318، والقوانين الفقهية ص 255.
فَإِذَا نَوَى التَّلَفُّظَ بِالطَّلاَقِ ثُمَّ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ، لَمْ يَقَعْ بِالاِتِّفَاقِ، لاِنْعِدَامِ اللَّفْظِ أَصْلاً، وَخَالَفَ الزُّهْرِيُّ، وَقَال بِوُقُوعِ طَلاَقِ النَّاوِي لَهُ مِنْ غَيْرِ تَلَفُّظٍ (1) . وَدَلِيل الْجُمْهُورِ قَوْل النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُِمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَل أَوْ تَكَلَّمْ بِهِ (2) . وَلَوْ لُقِّنَ أَعْجَمِيٌّ لَفْظَ الطَّلاَقِ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُ مَعْنَاهُ، فَقَالَهُ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ عَرَبِيٌّ إِذَا لُقِّنَ لَفْظًا أَعْجَمِيًّا يُفِيدُ الطَّلاَقَ وَهُوَ لاَ يَعْرِفُ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ مُطْلَقًا (3) .

الشَّرْطُ الثَّانِي: نِيَّةُ وُقُوعِ الطَّلاَقِ بِاللَّفْظِ:
29 - هَذَا خَاصٌّ بِالْكِنَايَاتِ مِنَ الأَْلْفَاظِ، أَمَّا الصَّرِيحُ فَلاَ يُشْتَرَطُ لِوُقُوعِ الطَّلاَقِ بِهِ نِيَّةُ الطَّلاَقِ أَصْلاً، وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ بَعْضَ أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ حَيْثُ أَوْقَعُوا الطَّلاَقَ بِهَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَالصَّرِيحِ، وَهِيَ الْكِنَايَاتُ الظَّاهِرَةُ، كَقَوْل الْمُطَلِّقِ لِزَوْجَتِهِ: سَرَّحْتُكِ، فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ: طَلَّقْتُكِ، وَوَافَقَهُمُ الْحَنَابِلَةُ فِي ذَلِكَ
__________
(1) المغني 7 / 318، والقوانين الفقهية ص 255.
(2) حديث: " إن الله تجاوز لأمتي. . . ". أخرجه البخاري فتح الباري (9 / 388) ومسلم (1 / 117) من حديث أبي هريرة واللفظ لمسلم.
(3) مغني المحتاج 3 / 289.

الصفحة 23