كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 29)

عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، خِلاَفًا لِمَا فُهِمَ مِنْ كَلاَمِ الْخِرَقِيِّ، وَذُكِرَ فِي نَيْل الْمَآرِبِ أَنَّ لَفْظَ: سَرَاحٍ مِنَ الْكِنَايَاتِ فَيَحْتَاجُ لِلنِّيَّةِ (1) . وَهَل تَقُومُ قَرَائِنُ الأَْحْوَال وَالْعُرْفِ مَقَامَ النِّيَّةِ فِي الْكِنَايَاتِ؟ .
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى ذَلِكَ، وَخَالَفَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَقَالُوا: لاَ عِبْرَةَ. بِالْعُرْفِ وَقَرَائِنِ الْحَال، وَعَلَى ذَلِكَ إِذَا قَال الرَّجُل لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ طَلاَقَهَا طَلُقَتْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لِلنِّيَّةِ، وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَكُونُ ظِهَارًا، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الطَّلاَقَ لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَتَطْلُقُ عِنْدَ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ، وَفِي الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَطْلُقُ ثَلاَثًا فِي الْمَدْخُول بِهَا، وَيُنَوَّى (أَيْ يُسْأَل عَنْ نِيَّتِهِ) فِي غَيْرِ الْمَدْخُول بِهَا. وَهَل يَقَعُ الطَّلاَقُ بِلَفْظٍ لاَ يَحْتَمِلُهُ أَصْلاً كَقَوْلِهِ لَهَا: اسْقِنِي مَاءً؟ إِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلاَقَ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ بِالإِْجْمَاعِ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلاَقَ وَقَعَ الطَّلاَقُ بِهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلاَ يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ قَوْلٌ ثَانٍ لِلْمَالِكِيَّةِ (2) .
__________
(1) المغني 7 / 326، والدسوقي 2 / 365، والقوانين الفقهية ص 253، ونيل المآرب 2 / 237.
(2) كشاف القناع 5 / 253، والمغني 7 / 322، وابن عابدين 3 / 298 - 300 والاختيار 3 / 132، والروضة 8 / 26، والقوانين الفقهية ص252 - 253، 254 ومغني المحتاج 3 / 282 - 283، وبداية المجتهد 2 / 84.
ب - شُرُوطُ الْكِتَابَةِ:
اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ لِوُقُوعِ الطَّلاَقِ بِالْكِتَابَةِ شَرْطَيْنِ:

الشَّرْطُ الأَْوَّل: أَنْ تَكُونَ مُسْتَبِينَةً.
30 - وَالْمَقْصُودُ أَنْ تَكُونَ مَكْتُوبَةً بِشَكْلٍ ظَاهِرٍ يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ يَثْبُتُ بِهِ، كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْوَرَقِ، أَوِ الأَْرْضِ، بِخِلاَفِ الْكِتَابَةِ فِي الْهَوَاءِ أَوِ الْمَاءِ، فَإِنَّهَا غَيْرُ مُسْتَبِينَةٍ وَلاَ يَقَعُ بِهَا الطَّلاَقُ، وَهَذَا لَدَى الْجُمْهُورِ، وَفِي رِوَايَةٍ لأَِحْمَدَ يَقَعُ بِهَا الطَّلاَقُ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مُستَبِينَةً (1) .

الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مَرْسُومَةً:
31 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: الْكِتَابَةُ إِذَا كَانَتْ مُسْتَبِينَةً وَمَرْسُومَةً يَقَعُ الطَّلاَقُ بِهَا، نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ مُسْتَبِينَةٍ لاَ يَقَعُ مُطْلَقًا وَإِنْ نَوَى.
أَمَّا إِذَا كَانَتْ مُسْتَبِينَةً غَيْرَ مَرْسُومَةٍ، فَإِنْ نَوَى يَقَعُ، وَإِلاَّ لاَ يَقَعُ وَقِيل: يَقَعُ مُطْلَقًا (2) . وَالْكِتَابَةُ الْمَرْسُومَةُ عِنْدَهُمْ هِيَ: مَا كَانَ
__________
(1) المغني 7 / 424.
(2) ابن عابدين مع الدر المختار 3 / 246.

الصفحة 24