كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 29)

الطَّلاَقِ، فَإِنَّهُ لاَ يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ، وَإِلاَّ وَقَعَ الطَّلاَقُ (1) . وَلَمْ يَحْصُرِ الْفُقَهَاءُ الصَّرِيحَ فِي الطَّلاَقِ بِالْعَرَبِيَّةِ، بَل أَطْلَقُوهُ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا، وَذَكَرُوا أَلْفَاظًا بِالْفَارِسِيَّةِ وَالتُّرْكِيَّةِ يَقَعُ بِهَا الطَّلاَقُ صَرِيحًا بِغَيْرِ نِيَّةٍ، مِثْل: " سان بوش " بِالتُّرْكِيَّةِ " وَبهشتم " بِالْفَارِسِيَّةِ، وَقَدْ جَرَى فِي هَذِهِ الأَْلْفَاظِ بَعْضُ اخْتِلاَفٍ بَيْنَهُمْ، أَهِيَ مِنَ الصَّرِيحِ أَمْ مِنَ الْكِنَائِيِّ؟ وَالْحَقِيقَةُ أَنَّ مَرَدَّ ذَلِكَ إِلَى مَنْ يَعْلَمُ بِهَذِهِ اللُّغَاتِ وَالأَْعْرَافِ (2) .

مَا يَقَعُ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَائِيِّ مِنَ الطَّلاَقِ:
36 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (3) إِلَى أَنَّ طَلاَقَ الزَّوْجِ يَكُونُ رَجْعِيًّا دَائِمًا وَلاَ يَكُونُ بَائِنًا إِلاَّ فِي أَحْوَالٍ ثَلاَثٍ، وَهِيَ:
أ - الطَّلاَقُ قَبْل الدُّخُول، وَيَكُونُ بَائِنًا.
ب - الطَّلاَقُ عَلَى مَالٍ، وَيَكُونُ بَائِنًا ضَرُورَةَ وُجُوبِ الْمَال بِهِ عَلَى الزَّوْجَةِ، ذَلِكَ أَنَّهَا لَمْ تَبْذُلْهُ لَهُ إِلاَّ لِبَيْنُونَتِهَا.
ج - الطَّلاَقُ الثَّلاَثُ، وَذَلِكَ ضَرُورَةُ وُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ الْكُبْرَى بِهِ، بِنَصِّ الآْيَةِ الْكَرِيمَةِ: {
__________
(1) ابن عابدين 3 / 249 ط. عيسى الحلبي.
(2) ابن عابدين 3 / 248، والحطاب 4 / 44، ومغني المحتاج 3 / 280، والمغني 7 / 124، 238.
(3) المغني 7 / 454، ومغني المحتاج 3 / 337.
فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِل لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (1) . هَذَا إِلَى جَانِبِ أَحْوَالٍ يَكُونُ الطَّلاَقُ فِي بَعْضِهَا بَائِنًا إِذَا كَانَ بِحُكْمِ الْقَاضِي، كَالتَّفْرِيقِ لِلْغَيْبَةِ، وَالتَّفْرِيقِ لِلإِْيلاَءِ، وَالتَّفْرِيقِ لِلْعَيْبِ، وَالتَّفْرِيقِ لِلشِّقَاقِ وَالضَّرَرِ، وَالتَّفْرِيقِ لِلإِْعْسَارِ بِالنَّفَقَةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْكِنَائِيَّ يَقَعُ الطَّلاَقُ بِهِ بَائِنًا مُطْلَقًا، إِلاَّ أَلْفَاظًا قَلِيلَةً قَدْرَ وُجُودِ لَفْظِ الطَّلاَقِ الصَّرِيحِ فِيهَا، فَيَكُونُ رَجْعِيًّا، مِثْل: اعْتَدِّي، وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَكِ، وَأَنْتِ وَاحِدَةً. وَالتَّقْدِيرُ: طَلَّقْتُكِ فَاعْتَدِّي، وَطَلَّقْتُكِ فَاسْتَبْرِئِي رَحِمَكِ، وَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً (2) . أَمَّا الصَّرِيحُ فَيَقَعُ بِهِ الطَّلاَقُ رَجْعِيًّا بِشُرُوطٍ، وَهِيَ:
الأَْوَّل: يَكُونُ بَعْدَ الدُّخُول، فَإِذَا كَانَ قَبْل الدُّخُول وَقَعَ بِهِ الطَّلاَقُ بَائِنًا مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ أَمْ بِلَفْظٍ كِنَائِيٍّ.
الثَّانِي: أَنْ لاَ يَكُونَ مَقْرُونًا بِعِوَضٍ، فَإِنْ قُرِنَ بِعِوَضٍ (طَلاَقٌ عَلَى مَالٍ) كَانَ بَائِنًا.
الثَّالِثُ: أَنْ لاَ يَكُونَ مَقْرُونًا بِعَدَدِ الثَّلاَثِ لَفْظًا أَوْ إِشَارَةً أَوْ كِتَابَةً، وَأَنْ لاَ يَكُونَ الثَّالِثُ
__________
(1) الآية / 230 من سورة البقرة.
(2) الاختيار 3 / 132.

الصفحة 28