كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 30)

وَتَثْبُتُ عَدَالَةُ الرَّاوِي إِمَّا بِتَنْصِيصِ مُعَدِّلِينَ، وَإِمَّا بِالاِسْتِفَاضَةِ، فَمَنِ اشْتُهِرَتْ عَدَالَتُهُ بَيْنَ أَهْل النَّقْل وَالْعِلْمِ، وَشَاعَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِالثِّقَةِ وَالأَْمَانَةِ اسْتُغْنِيَ فِيهِ بِذَلِكَ عَنْ بَيِّنَةٍ شَاهِدَةٍ بِعَدَالَتِهِ تَنْصِيصًا.
وَقَال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كُل حَامِل عِلْمٍ مَعْرُوفَ الْعِنَايَةِ بِهِ فَهُوَ عَدْلٌ مَحْمُولٌ فِي أَمْرِهِ أَبَدًا عَلَى الْعَدَالَةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ جَرْحُهُ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَحْمِل هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُل خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَال الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيل الْجَاهِلِينَ (1)
وَيُقْبَل التَّعْدِيل سَوَاءٌ فِي الرَّاوِي أَوْ فِي الشَّاهِدِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبِهِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ؛ لأَِنَّ أَسْبَابَهُ كَثِيرَةٌ يَصْعُبُ ذِكْرُهَا.
أَمَّا الْجَرْحُ فَإِنَّهُ لاَ يُقْبَل إِلاَّ مُفَسَّرًا مُبَيَّنَ السَّبَبِ؛ لأَِنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَا يَجْرَحُ وَمَا لاَ يَجْرَحُ، فَقَدْ يُطْلِقُ أَحَدُهُمُ الْجَرْحَ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ اعْتَقَدَهُ جَرْحًا وَلَيْسَ بِجَرْحٍ فِي نَفْسِ الأَْمْرِ، فَلاَ بُدَّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِهِ لِيُنْظَرَ هَل هُوَ قَادِحٌ أَوْ لاَ؟ قَال ابْنُ الصَّلاَحِ: وَهَذَا ظَاهِرٌ مُقَرَّرٌ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ.
وَجَرْحُ الرَّاوِي أَوْ تَعْدِيلُهُ يَثْبُتُ - فِي
__________
(1) حديث: " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ". أخرجه العقيلي في الضعفاء (1 / 9) من حديث أبي أمامة، وأشار ابن كثير إلى عدم صحته في الباعث الحثيث ص94.
الصَّحِيحِ - بِوَاحِدٍ؛ لأَِنَّ الْعَدَدَ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي قَبُول الْخَبَرِ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي جَرْحِ رَاوِيهِ أَوْ تَعْدِيلِهِ، وَقِيل: لاَ بُدَّ مِنَ اثْنَيْنِ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ (1) .
وَالْجَرْحُ وَالتَّعْدِيل إِنِ اجْتَمَعَا فِي شَخْصٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْجَرْحَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْدِيل؛ لأَِنَّ الْمُعَدِّل يُخْبِرُ عَمَّا ظَهَرَ مِنْ حَالِهِ، وَالْجَارِحَ يُخْبِرُ عَنْ بَاطِنٍ خَفِيَ عَلَى الْمُعَدِّل؛ وَلأَِنَّ الْجَارِحَ يَقُول: رَأَيْتُهُ يَفْعَل كَذَا وَكَذَا، وَالْمُعَدِّل مُسْتَنَدُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ يَفْعَل كَذَا وَكَذَا، سَوَاءٌ كَانُوا مُتَسَاوِينَ أَوْ كَانَ عَدَدُ الْمُعَدِّلِينَ أَكْثَرَ.
وَقِيل إِنْ كَانَ عَدَدُ الْمُعَدِّلِينَ أَكْثَرَ فَالتَّعْدِيل أَوْلَى.
وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ قَوْلُهُمْ: إِذَا كَانَ الْجَارِحُونَ وَالْمُعَدِّلُونَ مُتَسَاوِينَ يُنْظَرُ أَيُّهُمَا أَعْدَل فَيُرَجَّحُ جَانِبُهُمْ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي التَّعْدِيل أَمْ فِي التَّجْرِيحِ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَبُول رِوَايَةِ الْمُبْتَدِعِ الَّذِي لاَ يَكْفُرُ فِي بِدْعَتِهِ. فَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّ رِوَايَتَهُ مُطْلَقًا؛ لأَِنَّهُ فَاسِقٌ بِبِدْعَتِهِ، وَكَمَا اسْتَوَى فِي الْكُفْرِ الْمُتَأَوِّل وَغَيْرُ الْمُتَأَوِّل، يَسْتَوِي فِي الْفِسْقِ الْمُتَأَوِّل وَغَيْرُ الْمُتَأَوِّل،
وَمِنْهُمْ مَنْ قَبِل رِوَايَتَهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ص94، تدريب الراوي ص197، جواهر الإكليل 2 / 234، المغني لابن قدامة 9 / 63، 67، 68، 69.

الصفحة 12