كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 31)

كَمَا اسْتَدَلُّوا بِأَنَّ مَا جَازَ إِبْدَالُهُ قَبْل التَّفَرُّقِ جَازَ إِبْدَالُهُ مَعَ صِحَّةِ الْعَقْدِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ كَالسَّلَمِ، وَكَمَا أَنَّ مَا لَمْ يَجُزْ إِبْدَالُهُ قَبْل التَّفَرُّقِ مِنَ الْمُعَيَّنِ لَمْ يَجُزْ إِبْدَالُهُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ.
وَاسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ بِأَنَّهُ مَضْمُونٌ فِي الذِّمَّةِ، فَجَازَ إِبْدَال مَعِيبِهِ مَعَ صِحَّةِ الْعَقْدِ اعْتِبَارًا بِمَا قَبْل التَّفَرُّقِ؛ وَلأَِنَّ قَبْضَ الثَّانِي يَدُل عَلَى الأَْوَّل قَال بِهَذَا الْوَجْهِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (1) .
الْمَذْهَبُ الثَّانِي لأَِبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْقَوْل الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا رَضِيَ بِهِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ بَطَل الصَّرْفُ. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ.
الْوَجْهُ الأَْوَّل: أَنَّ الزُّيُوفَ مِنْ جِنْسِ حَقِّ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ لَكِنْ أَصْلاً لاَ وَصْفًا. وَلِهَذَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ بِفَوَاتِ حَقِّهِ عَنِ الْوَصْفِ، فَكَانَ حَقُّهُ فِي الأَْصْل وَالْوَصْفِ جَمِيعًا، فَصَارَ بِقَبْضِ الزُّيُوفِ قَابِضًا حَقَّهُ مِنْ حَيْثُ الأَْصْل لاَ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا رَضِيَ بِهِ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ عَنِ الْوَصْفِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ قَبْضُ الأَْصْل دُونَ الْوَصْفِ لإِِبْرَائِهِ عَنِ الْوَصْفِ، فَإِذَا قَبَضَهُ.
__________
(1) المهذب 2 / 279، المغني لابن قدامة 4 / / 170.
فَقَدْ قَبَضَ حَقَّهُ فَيَبْطُل الْمُسْتَحَقُّ.
وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ حَقَّهُ؛ لأَِنَّ حَقَّهُ فِي الأَْصْل وَالْوَصْفِ جَمِيعًا فَتَبَيَّنَ أَنَّ الاِفْتِرَاقَ حَصَل لاَ عَنْ قَبْضِ رَأْسِ مَال السَّلَمِ (أَوْ يُقَال تَفَرَّقَ لاَ عَنْ قَبْضِ بَدَل الصَّرْفِ) قَال بِهَذَا الْوَجْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرٌ (1)
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَوْل بِالْبَدَل فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْتَرِقَا وَذِمَّةُ أَحَدِهِمَا مَشْغُولَةٌ لِصَاحِبِهِ، فَفِي الْبَدَل صَرْفٌ مُؤَخَّرٌ، قَالَهُ الْمَالِكِيَّةُ (2) .
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الصَّرْفَ يَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ كَمَا يَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ، فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبْدِل مَا تَعَيَّنَ بِالْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبْدِل مَا تَعَيَّنَ بِالْقَبْضِ. لأَِنَّهُ لَوْ أَبْدَل بَعْدَ التَّفَرُّقِ لَبَطَل الْقَبْضُ قَبْل التَّفَرُّقِ، وَإِذَا لَمْ يَتِمَّ الْقَبْضُ قَبْل التَّفَرُّقِ بَطَل الصَّرْفُ، فَكَانَ فِي إِثْبَاتِ الْبَدَل إِبْطَال الْعَقْدِ، فَمُنِعَ مِنَ الْبَدَل لِيَصِحَّ الْعَقْدُ؛ وَلأَِنَّهُ لَمَّا كَانَ الصَّرْفُ الْمُعَيَّنُ وَمَا فِي الذِّمَّةِ يَسْتَوِيَانِ فِي الْفَسَادِ بِالتَّفَرُّقِ قَبْل الْقَبْضِ وَيَسْتَوِيَانِ فِي الصِّحَّةِ بِالْقَبْضِ قَبْل التَّفَرُّقِ، وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي حُكْمِ الْعَيْبِ. فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبْدَل مَعِيبُ مَا كَانَ مَعِيبًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبْدَل
__________
(1) بدائع الصنائع 5 / 205.
(2) حاشية الصاوي على الشرح الصغير 4 / 72، 73.

الصفحة 105