كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 31)

الْمُدُّ (1) . وَقَدَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِالصَّاعِ الْعِرَاقِيِّ وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، وَقَدَّرَهُ صَاحِبَاهُ بِالصَّاعِ الْحِجَازِيِّ وَهُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: نَقَل غَيْرُ وَاحِدٍ إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ مَا يُجْزِئُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْل غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِمِقْدَارٍ، وَمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّ أَدْنَى مَا يَكْفِي فِي الْغُسْل صَاعٌ وَفِي الْوُضُوءِ مُدٌّ لِحَدِيثِ: كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِل بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ (2) " لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لاَزِمٍ، بَل هُوَ بَيَانُ أَدْنَى الْقَدْرِ الْمَسْنُونِ، حَتَّى إِنَّ مَنْ أَسْبَغَ بِدُونِ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِ زَادَ عَلَيْهِ. لأَِنَّ طِبَاعَ النَّاسِ وَأَحْوَالَهُمْ مُخْتَلِفَةٌ.
وَقَال الدَّرْدِيرُ: الْمَدَارُ عَلَى الإِْحْكَامِ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الأَْجْسَامِ.
وَبَعْدَ أَنْ قَرَّرَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ لاَ يَنْقُصَ مَاءُ الْغُسْل عَنْ صَاعٍ، قَالُوا: وَلاَ حَدَّ لَهُ فَلَوْ نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ وَأَسْبَغَ
__________
(1) حديث سفينة: " أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يغسله الصاع. . . ". أخرجه مسلم (1 / 258) .
(2) حديث: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل بالصاع. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 304) ومسلم (1 / 258) من حديث أنس بن مالك، واللفظ للبخاري.
كَفَى (1) .

37 - وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ سُنَنَ الْغُسْل كَسُنَنِ الْوُضُوءِ سِوَى التَّرْتِيبِ وَالدُّعَاءِ، وَآدَابَهُ كَآدَابِ الْوُضُوءِ.
وَنَصُّوا عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يَبْتَدِئَ فِي حَال صَبِّ الْمَاءِ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ عَلَى مَيَامِنِهِ، ثُمَّ عَلَى مَيَاسِرِهِ كَمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُسَنُّ السِّوَاكُ أَيْضًا فِي الْغُسْل.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ يَتَكَلَّمَ بِكَلاَمٍ مُطْلَقًا، أَمَّا كَلاَمُ النَّاسِ فَلِكَرَاهَتِهِ حَال الْكَشْفِ، وَأَمَّا الدُّعَاءُ فَلأَِنَّهُ فِي مَصَبِّ الْمُسْتَعْمَل وَمَحَل الأَْقْذَارِ وَالأَْوْحَال.
وَصَرَّحُوا بِأَنَّ مِنْ آدَابِ الْغُسْل: أَنْ يَغْتَسِل بِمَكَانٍ لاَ يَرَاهُ فِيهِ أَحَدٌ لاَ يَحِل لَهُ النَّظَرُ لِعَوْرَتِهِ؛ لاِحْتِمَال ظُهُورِهَا فِي حَال الْغُسْل أَوْ لُبْسِ الثِّيَابِ، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَل حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسِّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَل أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ (2) .
وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ سُبْحَةً بَعْدَ الْغُسْل كَالْوُضُوءِ لأَِنَّهُ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 107، وحاشية الدسوقي 1 / 137، ومغني المحتاج 1 / 74، ومطالب أولي النهى 1 / 183.
(2) حديث: " إن الله حيي ستير يحب. . . ". أخرجه أبو داود (4 / 302) من حديث يعلى بن أمية.

الصفحة 216