كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 31)

مَا يُبْتَلَى بِهِ غَيْرُهُ، فَيَقُول: مِسْكِينٌ فُلاَنٌ قَدْ غَمَّنِي أَمْرُهُ، فَيَصِيرُ بِذَلِكَ مُغْتَابًا، فَيَكُونُ غَمُّهُ وَرَحْمَتُهُ خَيْرًا وَكَذَا تَعَجُّبُهُ، وَلَكِنْ سَاقَهُ الشَّيْطَانُ إِلَى شَرٍّ مِنْ حَيْثُ لاَ يَدْرِي، وَهُوَ ذِكْرُ اسْمِهِ لِيُبْطِل بِهِ ثَوَابَ اغْتِمَامِهِ وَتَرَحُّمِهِ.
الثَّالِثُ: الْغَضَبُ لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ قَدْ يَغْضَبُ عَلَى مُنْكَرٍ قَارَفَهُ إِنْسَانٌ إِذَا رَآهُ أَوْ سَمِعَهُ، فَيُظْهِرُ غَضَبَهُ وَيَذْكُرُ اسْمَهُ، وَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُظْهِرَ غَضَبَهُ عَلَيْهِ بِالأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلاَ يُظْهِرُهُ عَلَى غَيْرِهِ، أَوْ يَسْتُرَ اسْمَهُ وَلاَ يَذْكُرَهُ بِالسُّوءِ.
فَهَذِهِ الثَّلاَثَةُ مِمَّا يَغْمُضُ دَرْكُهَا عَلَى الْعُلَمَاءِ فَضْلاً عَنِ الْعَوَّامِ. فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ التَّعَجُّبَ وَالرَّحْمَةَ وَالْغَضَبَ إِذَا كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى كَانَ عُذْرًا فِي ذِكْرِ الاِسْمِ وَهُوَ خَطَأٌ. بَل الْمُرَخَّصُ فِي الْغَيْبَةِ حَاجَاتٌ مَخْصُوصَةٌ لاَ تُرَخِّصُ الْغِيبَةَ فِي سِوَاهَا، (1) فَقَدْ وَرَدَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْل عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ أَنَّ رَجُلاً مَرَّ عَلَى قَوْمٍ. فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَرَدُّوا عَلَيْهِ السَّلاَم، فَلَمَّا جَاوَزَهُمْ قَال رَجُلٌ مِنْهُمْ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَُبْغِضُ هَذَا فِي اللَّهِ، فَقَال أَهْل الْمَجْلِسِ: بِئْسَ وَاللَّهِ مَا قُلْت، أَمَّا وَاللَّهِ لَنُنَبِّئَنَّهُ، قُمْ يَا فُلاَنُ - رَجُلاً مِنْهُمْ -
__________
(1) إحياء علوم الدين 3 / 143 - 145 ط الحلبي، ومختصر منهاج القاصدين 171 / 172 نشر مكتبة دار البيان.
فَأَخْبِرْهُ، قَال: فَأَدْرَكَهُ رَسُولُهُمْ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَال، فَانْصَرَفَ الرَّجُل حَتَّى أَتَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ مَرَرْت بِمَجْلِسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ فُلاَنٌ، فَسَلَّمْت عَلَيْهِمْ فَرَدُّوا السَّلاَمَ، فَلَمَّا جَاوَزْتهمْ أَدْرَكَنِي رَجُلٌ مِنْهُمْ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فُلاَنًا قَال: وَاللَّهِ إِنِّي لأَُبْغِضُ هَذَا الرَّجُل فِي اللَّهِ، فَادْعُهُ فَسَلْهُ عَلَى مَا يُبْغِضُنِي؟ فَدَعَاهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَمَّا أَخْبَرَهُ الرَّجُل فَاعْتَرَفَ بِذَلِكَ، وَقَال: قَدْ قُلْت لَهُ ذَلِكَ يَا رَسُول اللَّهِ، فَقَال: رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلِمَ تَبْغُضُهُ؟ قَال: أَنَا جَارُهُ وَأَنَا بِهِ خَابِرٌ، وَاللَّهِ مَا رَأَيْته يُصَلِّي صَلاَةً قَطُّ إِلاَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ الَّتِي يُصَلِّيهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، قَال الرَّجُل: سَلْهُ يَا رَسُول اللَّهِ هَل رَآنِي قَطُّ أَخَّرْتهَا عَنْ وَقْتِهَا، أَوْ أَسَأْت الْوُضُوءَ لَهَا، أَوْ أَسَأْت الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فِيهَا؟ فَسَأَلَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَال: لاَ، ثُمَّ قَال: وَاللَّهِ مَا رَأَيْته يَصُومُ قَطُّ إِلاَّ هَذَا الشَّهْرَ الَّذِي يَصُومُهُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ. قَال: فَسَلْهُ يَا رَسُول اللَّهِ، هَل رَآنِي قَطُّ أَفْطَرْت فِيهِ أَوِ انْتَقَصْت مِنْ حَقِّهِ شَيْئًا؟ فَسَأَلَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَال: لاَ، ثُمَّ قَال: وَاللَّهِ مَا رَأَيْته يُعْطِي سَائِلاً قَطُّ، وَلاَ رَأَيْته يُنْفِقُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا فِي شَيْءٍ مِنْ سَبِيل اللَّهِ بِخَيْرٍ، إِلاَّ

الصفحة 334