كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 31)
د - الْعَفْوُ عَنِ الْقَاتِل غِيلَةً:
6 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ خِلاَفًا لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَوْ عَفَا وَلِيُّ الْمَقْتُول غِيلَةً عَنِ الْقَاتِل، فَإِنَّ عَفْوَهُ لاَ يُسْقِطُ عُقُوبَةَ الْقَتْل؛ لأَِنَّ الْحَقَّ لَيْسَ لَهُ، وَإِنَّمَا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَيُعْتَبَرُ الْقَتْل غِيلَةً حِرَابَةً فِي حَالَةِ مَا إِذَا كَانَ الْقَاتِل ظَاهِرًا عَلَى وَجْهٍ يُتَعَذَّرُ مَعَهُ الْغَوْثُ. (1)
حُكْمُ الْغِيلَةِ بِالإِْرْضَاعِ أَوِ الْوَطْءِ:
7 - كَانَ الْعَرَبُ يَكْرَهُونَ وَطْءَ الْمَرْأَةِ الْمُرْضِعِ. وَإِرْضَاعَ الْمَرْأَةِ الْحَامِل وَلَدَهَا، وَيَتَّقُونَهُ لأَِنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى فَسَادِ اللَّبَنِ، فَيُصْبِحُ دَاءً، فَيَفْسُدُ بِهِ جِسْمُ الصَّبِيِّ وَيَضْعُفُ، وَلَوْ كَانَ هَذَا حَقًّا لَنَهَى عَنْهُ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ، فَنَظَرْت فِي الرُّومِ وَفَارِسَ، فَإِذَا هُمْ يُغِيلُونَ أَوْلاَدَهُمْ. فَلاَ يَضُرُّ أَوْلاَدَهُمْ ذَلِكَ شَيْئًا (2) وَمَعْنَى هَذَا: لَوْ كَانَ الْجِمَاعُ حَال الرَّضَاعِ، أَوِ الإِْرْضَاعُ حَال الْحَمْل مُضِرًّا.
__________
(1) الدسوقي 4 / 238.
(2) حديث: " لقد هممت أن أنهي عن الغيلة. . . ". أخرجه مسلم (2 / 1067) من حديث جدامة بنت وهب الأسدية.
لَضَرَّ أَوْلاَدَ الرُّومِ وَفَارِسٍ، لأَِنَّهُمْ كَانُوا يَصْنَعُونَ ذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ الأَْطِبَّاءِ عِنْدَهُمْ، فَلَوْ كَانَ مُضِرًّا لَمَنَعُوهُمْ مِنْهُ، وَلِهَذَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال: إِنِّي أَعْزِل عَنِ امْرَأَتِي، فَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِمَ تَفْعَل ذَلِكَ؟ فَقَال: أُشْفِقُ عَلَى وَلَدِهَا، أَوْ عَلَى أَوْلاَدِهَا. فَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ ضَارًّا ضَرَّ فَارِسَ وَالرُّومَ (1) وَقَال الْفُقَهَاءُ اسْتِنَادًا إِلَى حَدِيثِ: لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ. . .، وَحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ بِجَوَازِ وَطْءِ الْمَرْأَةِ الْمُرْضِعِ وَإِرْضَاعِ الْمَرْأَةِ الْحَامِل؛ لأَِنَّهُ لاَ ضَرَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ لَنَهَى عَنْهُ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِرْشَادًا. لأَِنَّهُ رَءُوفٌ بِالْمُؤْمِنِينَ.
وَقَال الأَْبِيُّ: وَالْغِيلَةُ وَطْءُ الْمَرْأَةِ الْمُرْضِعِ. وَتَجُوزُ الْغِيلَةُ، وَهِيَ إِرْضَاعُ الْحَامِل، وَتَرْكُهَا أَوْلَى إِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَرَضُ الرَّضِيعِ، وَإِلاَّ مُنِعَتْ. (2)
__________
(1) حديث سعد بن أبي وقاص: أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . ". أخرجه مسلم (2 / 1067) .
(2) جواهر الإكليل 1 / 402.
الصفحة 344