كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 32)

الأُْضْحِيَّةِ، مُسْتَدِلِّينَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسَخَتِ الزَّكَاةُ كُل صَدَقَةٍ فِي الْقُرْآنِ، وَنَسَخَ صَوْمُ رَمَضَانَ كُل صَوْمٍ، وَنَسَخَ غُسْل الْجَنَابَةِ كُل غُسْلٍ، وَنَسَخَتِ الأَْضَاحِيُّ كُل ذِبْحٍ (1) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَوْلاَنِ: مِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَلاَ بِرَّ فِي فِعْلِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى نَسْخِ وُجُوبِهَا وَبَقِيَتِ الإِْبَاحَةُ لِمَنْ شَاءَ فِعْلَهَا، وَاحْتَجُّوا بِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ فَرَعَ وَلاَ عَتِيرَةَ (2) .
فَهُوَ يَحْتَمِل النَّهْيَ وَنَفْيَ الْبِرِّ، كَمَا يَحْتَمِل نَسْخَ الْوُجُوبِ، وَمِمَّا يَشْهَدُ لِلاِحْتِمَال الثَّانِي حَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو التَّمِيمِيِّ: أَنَّهُ لَقِيَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ، قَال: فَقَال رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ: يَا رَسُول اللَّهِ الْعَتَائِرُ وَالْفَرَائِعُ قَال: مَنْ شَاءَ عَتَرَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَعْتِرْ، وَمَنْ شَاءَ فَرَّعَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يُفَرِّعْ. (3)
__________
(1) (1) حديث: " نسخت الزكاة كل صدقة. . . ". أخرجه الدارقطني (4 / 281) من حديث علي مرفوعًا، وذكر الدارقطني أن في إسناده راويًا متروكًا، وانظر بدائع الصنائع 5 / 69.
(2) حديث " لا فرع ولا عتيرة. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 596) ، ومسلم (3 / 1564) من حديث أبي هريرة.
(3) حديث: الحاث بن عمرو التميمي أنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أخرجه النسائي (7 / 168 - 169) ، وانظر مواهب الجليل 3 / 248.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْفَرَعَةَ لاَ تُسَنُّ وَلاَ تُكْرَهُ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ فِي الْحَدِيثِ: لاَ فَرَعَ وَلاَ عَتِيرَةَ هُوَ نَفْيُ كَوْنِهَا سُنَّةً، لاَ تَحْرِيمُ فِعْلِهَا وَلاَ كَرَاهَتُهُ، فَلَوْ ذَبَحَ إِنْسَانٌ وَلَدَ النَّاقَةِ لِحَاجَةٍ أَوْ لِلصَّدَقَةِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَكْرُوهًا، وَأَيَّدُوا نَسْخَ السُّنِّيَّةِ بِأَمْرَيْنِ:
أَوَّلُهُمَا: أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ بِالإِْسْلاَمِ، فَإِنَّ إِسْلاَمَهُ كَانَ سَنَةَ فَتْحِ خَيْبَرَ، وَهِيَ السَّنَةُ السَّابِعَةُ مِنَ الْهِجْرَةِ.
ثَانِيهِمَا: أَنَّ الْفَرَعَ كَانَ مِنْ فِعْل الْجَاهِلِيَّةِ، فَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُمْ عَلَيْهِ إِلَى حِينِ نَسْخِهِ (1) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِيمَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ إِلَى أَنَّ الْفَرَعَةَ مُسْتَحَبَّةٌ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ (2) . وَاسْتَدَلُّوا بِجُمْلَةٍ مِنَ الأَْحَادِيثِ مِنْهَا: حَدِيثُ نُبَيْشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: نَادَى رَجُلٌ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا كُنَّا نَعْتِرُ عَتِيرَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي رَجَبٍ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَال: اذْبَحُوا لِلَّهِ فِي أَيِّ شَهْرٍ كَانَ، وَبِرُّوا اللَّهَ عَزَّ وَجَل، وَأَطْعِمُوا، قَال: إِنَّا كُنَّا نُفْرِعُ فَرَعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَال: فِي كُل سَائِمَةٍ فَرَعٌ تَغْذُوهُ مَاشِيَتُكَ حَتَّى إِذَا اسْتَحْمَل لِلْحَجِيجِ ذَبَحْتَهُ فَتَصَدَّقْتَ بِلَحْمِهِ (3) . وَحَدِيثُ عَائِشَةَ
__________
(1) المغني 8 / 650 - 651.
(2) المجموع 8 / 234 - 245.
(3) حديث نبيشه " نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . . " أخرجه أبو داود (3 / 255) ، وكذا الحاكم (4 / 235) مختصرًا وصححه ووافقه الذهبي.

الصفحة 102