كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 32)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (1) ، قَال الْقَرَافِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الأَْصْل فِي الْعُقُودِ اللُّزُومُ، لأَِنَّ الْعُقُودَ أَسْبَابٌ لِتَحْصِيل الْمَقَاصِدِ مِنَ الأَْعْيَانِ، وَالأَْصْل تَرَتُّبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا (2) .
وَقَدْ يَرِدُ الْفَسْخُ عَلَيْهَا، وَيَكُونُ إِمَّا وَاجِبًا أَوْ جَائِزًا، فَيَجِبُ رِعَايَةً لِحَقِّ الشَّرْعِ، كَفَسْخِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ لإِِزَالَةِ سَبَبِ الْفَسَادِ، وَاحْتِرَامِ ضَوَابِطِ الشَّرْعِ أَوْ شَرَائِطِهِ الَّتِي قَرَّرَهَا فِي الْعُقُودِ، حِمَايَةً لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ أَوِ الْخَاصَّةِ، وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَمَنْعًا لِلْمُنَازَعَاتِ الَّتِي تَحْدُثُ بِسَبَبِ مُخَالَفَةِ الشُّرُوطِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَيَجُوزُ الْفَسْخُ إِعْمَالاً لإِِرَادَةِ الْعَاقِدِ، كَالْفَسْخِ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ، وَالْفَسْخِ بِالتَّرَاضِي وَالاِتِّفَاقِ كَالإِْقَالَةِ، وَقَدْ جَاءَ الشَّرْعُ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْخِيَارَاتِ وَالإِْقَالَةِ (3) ، وَقَال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ (4)
وَالْفَسْخُ الْقَضَائِيُّ يَكُونُ إِمَّا رِعَايَةً لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَإِمَّا إِحْقَاقًا لِلْحَقِّ وَرَفْعًا لِلظُّلْمِ الَّذِي يَقَعُ عَلَى أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِسَبَبِ إِضْرَارِ
__________
(1) سورة المائدة / 1.
(2) الفروق 3 / 269.
(3) حاشية ابن عابدين 4 / 125.
(4) حديث: المسلمون على شروطهم. . " أخرجه الترمذي (3 / 626) من حديث أبي هريرة وقال: حديث حسن صحيح.
الْعَاقِدِ الآْخَرِ، وَإِصْرَارِهِ عَلَى مَنْعِ غَيْرِهِ مِنْ مُمَارَسَةِ حَقِّهِ فِي الْفَسْخِ، لِوُجُودِ عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ أَوِ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ أَوِ الثَّمَنِ مَثَلاً، وَحَقُّ الْقَاضِي فِي الْفَسْخِ نَاشِئٌ مِنْ وِلاَيَتِهِ الْعَامَّةِ عَلَى النَّاسِ، أَوْ لأَِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رِقَابَةُ تَنْفِيذِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ. .
وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْفَسْخُ إِمَّا شَرْعًا أَوْ قَضَاءً أَوْ بِالرِّضَا.

أَسْبَابُ الْفَسْخِ:
7 - أَسْبَابُ الْفَسْخِ خَمْسَةٌ: إِمَّا الاِتِّفَاقُ أَوِ التَّرَاضِي وَمِنْهُ الإِْقَالَةُ، وَإِمَّا الْخِيَارُ، وَإِمَّا عَدَمُ اللُّزُومِ، وَإِمَّا اسْتِحَالَةُ تَنْفِيذِ أَحَدِ الْتِزَامَاتِ الْعَقْدِ الْمُتَقَابِلَةِ، وَإِمَّا الْفَسَادُ.

أ - الْفَسْخُ بِالاِتِّفَاقِ:
8 - يُفْسَخُ الْعَقْدُ بِالتَّرَاضِي بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ، وَالإِْقَالَةُ نَوْعٌ مِنَ الْفَسْخِ الاِتِّفَاقِيِّ وَتَقْتَضِي رُجُوعَ كُلٍّ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ، فَيَرْجِعُ الثَّمَنُ لِلْمُشْتَرِي وَالْمُثَمَّنُ لِلْبَائِعِ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهَا قَبْل قَبْضِ الْمَبِيعِ (1) .
وَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَزُفَرُ إِلَى أَنَّ الإِْقَالَةَ فَسْخٌ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً، لأَِنَّ الإِْقَالَةَ هِيَ الرَّفْعُ وَالإِْزَالَةُ، وَلأَِنَّ الْمَبِيعَ عَادَ إِلَى الْبَائِعِ
__________
(1) زاد المعاد لابن القيم 1 / 76.

الصفحة 133