كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 32)

يُرِيدُوا التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الاِجْتِهَادِ وَالإِْفْتَاءِ فِي الْمَفْهُومِ. (1)

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
4 - الْفَتْوَى فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، إِذْ لاَ بُدَّ لِلْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يُبَيِّنُ لَهُمْ أَحْكَامَ دِينِهِمْ فِيمَا يَقَعُ لَهُمْ، وَلاَ يُحْسِنُ ذَلِكَ كُل أَحَدٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَقُومَ بِهِ مَنْ لَدَيْهِ الْقُدْرَةُ.
وَلَمْ تَكُنْ فَرْضَ عَيْنٍ لأَِنَّهَا تَقْتَضِي تَحْصِيل عُلُومٍ جَمَّةٍ، فَلَوْ كُلِّفَهَا كُل وَاحِدٍ لأََفْضَى إِلَى تَعْطِيل أَعْمَال النَّاسِ وَمَصَالِحِهِمْ، لاِنْصِرَافِهِمْ إِلَى تَحْصِيل عُلُومٍ بِخُصُوصِهَا، وَانْصِرَافِهِمْ عَنْ غَيْرِهَا مِنَ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ، وَمِمَّا يَدُل عَلَى فَرْضِيَّتِهَا قَوْل اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} (2) وَقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سُئِل عَنْ عِلْمٍ ثُمَّ كَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ. (3)
قَال الْمَحَلِّيُّ: وَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ الْقِيَامُ بِإِقَامَةِ الْحُجَجِ الْعِلْمِيَّةِ، وَحَل الْمُشْكِلاَتِ فِي
__________
(1) الورقات للجويني وشرحها لابن قاسم العبادي بهامش إرشاد الفحول ص247 والشوكاني في إرشاد الفحول ص265، وصفة الفتوى لابن حمدان ص13.
(2) سورة آل عمران / 187.
(3) حديث: " من سئل عن علم ثم كتمه. . . " أخرجه الترمذي (55 / 29) من حديث أبي هريرة، وقال: حديث حسن صحيح.
الدِّينِ، وَدَفْعُ الشُّبَهِ، وَالْقِيَامُ بِعُلُومِ الشَّرْعِ كَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفُرُوعِ الْفِقْهِيَّةِ بِحَيْثُ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ وَالإِْفْتَاءِ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِمَا. (1)
وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الْبِلاَدِ مُفْتُونَ لِيَعْرِفَهُمُ النَّاسُ، فَيَتَوَجَّهُوا إِلَيْهِمْ بِسُؤَالِهِمْ يَسْتَفْتِيهِمُ النَّاسُ، وَقَدَّرَ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ يَكُونَ فِي كُل مَسَافَةِ قَصْرٍ وَاحِدٌ. (2)

تَعَيُّنُ الْفَتْوَى:
5 - مَنْ سُئِل عَنِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مِنَ الْمُتَأَهِّلِينَ لِلْفَتْوَى يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْجَوَابُ، بِشُرُوطٍ:
الأَْوَّل: أَنْ لاَ يُوجَدَ فِي النَّاحِيَةِ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَتَمَكَّنُ مِنَ الإِْجَابَةِ، فَإِنْ وُجِدَ عَالِمٌ آخَرُ يُمْكِنُهُ الإِْفْتَاءُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَى الأَْوَّل، (3) بَل لَهُ أَنْ يُحِيل عَلَى الثَّانِي، قَال عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى: أَدْرَكْتُ عِشْرِينَ وَمِائَةً مِنَ الأَْنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْأَل أَحَدُهُمْ عَنِ الْمَسْأَلَةِ، فَيَرُدُّهَا هَذَا إِلَى هَذَا، وَهَذَا إِلَى هَذَا، حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى الأَْوَّل: وَقِيل: إِذَا لَمْ يَحْضُرْ الاِسْتِفْتَاءَ غَيْرُهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ. (4)
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَسْئُول عَالِمًا بِالْحُكْمِ
__________
(1) شرح المنهاج للمحلي 4 / 214.
(2) شرح المنهاج 4 / 214.
(3) شرح المنتهى 3 / 458، مكتبة المنيرة.
(4) المجموع للنووي شرح المهذب للشيرازي 1 / 45 القاهرة، المكتبة المنيرية.

الصفحة 22