كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 32)
وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى فِي التَّنْزِيل: {وَجَاءَتْ كُل نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} (1) ، وَالْجَمْعُ سَاقَةٌ (2) .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْقَائِدِ وَالسَّائِقِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَوَجَّهُ بِالشَّيْءِ إلَى الأَْمَامِ، إلاَّ أَنَّ الْقَائِدَ يَكُونُ فِي الأَْمَامِ وَالسَّائِقَ فِي الْخَلْفِ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْقَائِدِ:
أَوَّلاً: قَائِدُ الْجَيْشِ:
أ - حُكْمُ تَوْلِيَتِهِ وَصِفَاتُهُ:
3 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الإِْمَامِ أَنْ يُوَلِّيَ عَلَى الْجَيْشِ قَائِدًا، وَأَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَائِدُ رَجُلاً ثِقَةً فِي دِينِهِ، مُعَافًى فِي بَدَنِهِ شُجَاعًا فِي نَفْسِهِ يَثْبُتُ عِنْدَ الْهَرَبِ، وَيَتَقَدَّمُ عِنْدَ الطَّلَبِ، حَسَنَ الإِْنَابَةِ، ذَا رَأْيٍ فِي السِّيَاسَةِ وَالتَّدْبِيرِ، لِيَسُوسَ الْجَيْشَ عَلَى اتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ فِي الطَّاعَةِ، وَتَدْبِيرِ الْحَرْبِ فِي انْتِهَازِ الْفُرَصِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْل الاِجْتِهَادِ فِي أَحْكَامِ الْجِهَادِ، وَمَكَائِدِ الْحَرْبِ، وَإِدَارَةِ الْمَعَارِكِ، وَأَنْ يَكُونَ عَادِلاً فِي تَعَامُلِهِ مَعَ جَمِيعِ أَفْرَادِ الْجَيْشِ، لاَ يُمَالِئُ مَنْ نَاسَبَهُ، أَوْ وَافَقَ رَأْيَهُ أَوْ مَذْهَبَهُ عَلَى مَنْ بَايَنَهُ فِي نَسَبٍ، أَوْ خَالَفَهُ فِي رَأْيٍ، أَوْ مَذْهَبٍ، فَيَظْهَرُ مِنْ أَحْوَال الْمُبَايَنَةِ
__________
(1) سورة ق / 21.
(2) لسان العرب، المصباح المنير، المفردات في غريب القرآن، المغرب في ترتيب المعرب، والمعجم الوسيط.
مَا تَتَفَرَّقُ بِهِ الْكَلِمَةُ الْجَامِعَةُ تَشَاغُلاً بِالتَّقَاطُعِ وَالاِخْتِلاَفِ (1) .
ب - مَهَامُّهُ:
4 - مَا يُسْنَدُ إلَى قَائِدِ الْجَيْشِ مِنَ الأَْعْمَال مُفَوَّضٌ إلَى الإِْمَامِ، فَإِنْ فَوَّضَ إلَيْهِ جَمِيعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِأُمُورِ الْجِهَادِ مِنْ سِيَاسَةِ الْجَيْشِ، وَتَسْيِيرِهِ وَتَدْبِيرِ الْحَرْبِ، وَتَقْسِيمِ الْغَنَائِمِ وَعَقْدِ الصُّلْحِ، وَإِعْلاَنِ الْهُدْنَةِ، وَبَعْثِ السَّرَايَا وَالطَّلاَئِعِ، وَعَقْدِ الرَّايَاتِ، وَفَكِّ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ شُئُونِ الْجِهَادِ وَالْحَرْبِ فَلَهُ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ.
وَإِنْ قَصَرَ تَفْوِيضَهُ بِسِيَاسَةِ الْجَيْشِ وَتَسْيِيرِهِ اقْتَصَرَ عَمَلُهُ عَلَى ذَلِكَ، فَيَتَوَلَّى تَسْيِيرَ الطَّلاَئِعِ، وَإِرْسَال الْجَوَاسِيسِ لِنَقْل أَخْبَارِ الْكُفَّارِ إلَيْنَا، كَمَا يَتَوَلَّى بَعْثَ السَّرَايَا، وَعَقْدِ الرَّايَاتِ وَتَعْيِينِ الأُْمَرَاءِ عَلَيْهِمْ، وَأَخْذِ الْبَيْعَةِ لَهُمْ بِالثَّبَاتِ عَلَى الْجِهَادِ، وَعَدَمِ الْفِرَارِ وَالطَّاعَةِ.
كَمَا أَنَّ مَنْ حَقِّ الْقَائِدِ أَنْ يُصْدِرَ أَوَامِرَهُ إلَى جَيْشِهِ، وَعَلَى جَمِيعِ الْجُنُودِ طَاعَةُ أَوَامِرِهِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، إلاَّ مَا كَانَ فِي مَعْصِيَةٍ، فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ (2) ، لِحَدِيثِ: لاَ طَاعَةَ فِي
__________
(1) الأحكام السلطانية للماوردي ص37، الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص41، مغني المحتاج 4 / 220، المغني لابن قدامة 8 / 366.
(2) المصادر السابقة.
الصفحة 235