كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 32)

أَنْوَاعُ مَا يُفْتَى فِيهِ:
9 - يَدْخُل الإِْفْتَاءُ الأَْحْكَامَ الاِعْتِقَادِيَّةَ: مِنَ الإِْيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَسَائِرِ أَرْكَانِ الإِْيمَانِ.
وَيَدْخُل الأَْحْكَامَ الْعَمَلِيَّةَ جَمِيعَهَا: مِنَ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلاَتِ وَالْعُقُوبَاتِ وَالأَْنْكِحَةِ، وَيَدْخُل الإِْفْتَاءُ الأَْحْكَامَ التَّكْلِيفِيَّةَ كُلَّهَا، وَهِيَ الْوَاجِبَاتُ وَالْمُحَرَّمَاتُ وَالْمَنْدُوبَاتُ وَالْمَكْرُوهَاتُ وَالْمُبَاحَاتُ، وَيَدْخُل الإِْفْتَاءُ فِي الأَْحْكَامِ الْوَضْعِيَّةِ كَالإِْفْتَاءِ بِصِحَّةِ الْعِبَادَةِ أَوِ التَّصَرُّفِ أَوْ بُطْلاَنِهِمَا. (1)

حَقِيقَةُ عَمَل الْمُفْتِي:
10 - لَمَّا كَانَ الإِْفْتَاءُ هُوَ الإِْخْبَارَ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَنْ دَلِيلِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أُمُورًا:
الأَْوَّل: تَحْصِيل الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُجَرَّدِ فِي ذِهْنِ الْمُفْتِي، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ مَشَقَّةَ فِي تَحْصِيلِهِ لَمْ يَكُنْ تَحْصِيلُهُ اجْتِهَادًا، كَمَا لَوْ سَأَلَهُ سَائِلٌ عَنْ أَرْكَانِ الإِْسْلاَمِ مَا هِيَ؟ أَوْ عَنْ حُكْمِ الإِْيمَانِ بِالْقُرْآنِ؟ وَإِنْ كَانَ الدَّلِيل خَفِيًّا، كَمَا لَوْ كَانَ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ غَيْرَ وَاضِحَةِ الدَّلاَلَةِ عَلَى الْمُرَادِ، أَوْ حَدِيثًا نَبَوِيًّا وَارِدًا بِطَرِيقِ الآْحَادِ، أَوْ غَيْرَ وَاضِحِ الدَّلاَلَةِ عَلَى الْمُرَادِ، أَوْ كَانَ الْحُكْمُ مِمَّا تَعَارَضَتْ فِيهِ الأَْدِلَّةُ أَوْ لَمْ يَدْخُل تَحْتَ شَيْءٍ
__________
(1) الفروق للقرافي 4 / 48، 54.
مِنَ النُّصُوصِ أَصْلاً، احْتَاجَ أَخْذُ الْحُكْمِ إِلَى اجْتِهَادٍ فِي صِحَّةِ الدَّلِيل أَوْ ثُبُوتِهِ أَوِ اسْتِنْبَاطِ الْحُكْمِ مِنْهُ أَوِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ.
الثَّانِي: مَعْرِفَةُ الْوَاقِعَةِ الْمَسْئُول عَنْهَا، بِأَنْ يَذْكُرَهَا الْمُسْتَفْتِي فِي سُؤَالِهِ، وَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يُحِيطَ بِهَا إِحَاطَةً تَامَّةً فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَوَابُ، بِأَنْ يَسْتَفْصِل السَّائِل عَنْهَا، وَيَسْأَل غَيْرَهُ إِنْ لَزِمَ، وَيَنْظُرَ فِي الْقَرَائِنِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَعْلَمَ انْطِبَاقَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَاقِعَةِ الْمَسْئُول عَنْهَا، بِأَنْ يَتَحَقَّقَ مِنْ وُجُودِ مَنَاطِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي تَحَصَّل فِي الذِّهْنِ فِي الْوَاقِعَةِ الْمَسْئُول عَنْهَا لِيَنْطَبِقَ عَلَيْهَا الْحُكْمُ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّرِيعَةَ لَمْ تَنُصَّ عَلَى حُكْمِ كُل جُزْئِيَّةٍ بِخُصُوصِهَا، وَإِنَّمَا أَتَتْ بِأُمُورٍ كُلِّيَّةٍ وَعِبَارَاتٍ مُطْلَقَةٍ، تَتَنَاوَل أَعْدَادًا لاَ تَنْحَصِرُ مِنَ الْوَقَائِعِ، وَلِكُل وَاقِعَةٍ مُعَيَّنَةٍ خُصُوصِيَّةٌ لَيْسَتْ فِي غَيْرِهَا. وَلَيْسَتِ الأَْوْصَافُ الَّتِي فِي الْوَقَائِعِ مُعْتَبَرَةً فِي الْحُكْمِ كُلُّهَا، وَلاَ هِيَ طَرْدِيَّةٌ كُلُّهَا، بَل مِنْهَا مَا يُعْلَمُ اعْتِبَارُهُ، وَمِنْهَا مَا يُعْلَمُ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ، وَبَيْنَهُمَا قِسْمٌ ثَالِثٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، فَلاَ تَبْقَى صُورَةٌ مِنَ الصُّوَرِ الْوُجُودِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ إِلاَّ وَلِلْمُفْتِي فِيهَا نَظَرٌ سَهْلٌ أَوْ صَعْبٌ، حَتَّى يُحَقِّقَ تَحْتَ أَيِّ دَلِيلٍ تَدْخُل؟ وَهَل يُوجَدُ مَنَاطُ الْحُكْمِ فِي الْوَاقِعَةِ أَمْ لاَ؟ فَإِذَا حَقَّقَ وُجُودَهُ فِيهَا أَجْرَاهُ عَلَيْهَا، وَهَذَا اجْتِهَادٌ

الصفحة 25