كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 32)

قَال: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ (1) .
قَال الْمَالِكِيَّةُ: وَإِنْ بُوهِيَ بِهَا حَرُمَ.
وَقَال الدَّرْدِيرُ: النَّقْشُ مَكْرُوهٌ وَلَوْ قُرْآنًا، وَيَنْبَغِي الْحُرْمَةُ لأَِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى امْتِهَانِهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالسُّبْكِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِالْكِتَابَةِ إنِ احْتِيجَ إلَيْهَا حَتَّى لاَ يَذْهَبَ الأَْثَرُ وَلاَ يُمْتَهَنَ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لأَِنَّ النَّهْيَ عَنْهَا وَإِنْ صَحَّ فَقَدْ وُجِدَ الإِْجْمَاعُ الْعَمَلِيُّ بِهَا، فَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ النَّهْيَ عَنْهَا مِنْ طُرُقٍ ثُمَّ قَال هَذِهِ الأَْسَانِيدُ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَ الْعَمَل عَلَيْهَا فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ مَكْتُوبٌ عَلَى قُبُورِهِمْ وَهُوَ عَمَلٌ أَخَذَ بِهِ الْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ، وَيُتَقَوَّى بِمَا وَرَدَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَل حَجَرًا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَأْسِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَقَال: أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي، وَأَدْفِنُ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي (2) ، فَإِنَّ الْكِتَابَةَ طَرِيقٌ إلَى تَعَرُّفِ الْقَبْرِ بِهَا، نَعَمْ يَظْهَرُ أَنَّ مَحَل هَذَا الإِْجْمَاعِ الْعَمَلِيِّ عَلَى الرُّخْصَةِ فِيهَا مَا إذَا
__________
(1) حديث جابر: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر. . . ". أخرجه مسلم (2 / 667) دون قوله: " وأن يكتب عليه "، فهو عند الترمذي (3 / 359) .
(2) حديث: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " حمل حجرًا فوضعها على رأس عثمان ابن مظعون. . . ". تقدم تخريجه ف 18.
كَانَتِ الْحَاجَةُ دَاعِيَةً إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ، حَتَّى يُكْرَهَ كِتَابَةُ شَيْءٍ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ أَوِ الشِّعْرِ أَوْ إطْرَاءُ مَدْحٍ لَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ (1) .

ي - زِيَارَةُ الْقُبُورِ:
20 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ زِيَارَةُ الْقُبُورِ لِلرِّجَال، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنِّي كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الآْخِرَةَ (2) .
وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيل أَحْكَامِ الزِّيَارَةِ فِي مُصْطَلَحِ (زِيَارَةُ الْقُبُورِ ف 1) ، كَمَا سَبَقَ تَفْصِيل أَحْكَامِ زِيَارَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُصْطَلَحِ (زِيَارَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ف 2) .

ك - نَبْشُ الْقَبْرِ:
21 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَنْعِ نَبْشِ الْقَبْرِ إلاَّ لِعُذْرٍ وَغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مِنَ الأَْعْذَارِ الَّتِي تُجِيزُ نَبْشَ الْقَبْرِ كَوْنَ الأَْرْضِ مَغْصُوبَةً أَوِ الْكَفَنِ مَغْصُوبًا أَوْ سَقَطَ مَالٌ فِي الْقَبْرِ، وَعِنْدَهُمْ تَفْصِيلٌ فِي هَذِهِ الأَْعْذَارِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُعَدُّ عُذْرًا وَغَرَضًا صَحِيحًا سِوَى هَذِهِ الأَْعْذَارِ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 601 - 602، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 425، وحاشية القليوبي وعميرة على المحلي 1 / 350، وروضة الطالبين 2 / 136، وكشاف القناع 2 / 140.
(2) حديث: " إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور. . . ". أخرجه مسلم (2 / 672) ، وأحمد (5 / 354) من حديث بريدة إلا أن مسلمًا ليس في روايته: فزوروها. . . الخ.

الصفحة 252