كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 32)

فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ. اهـ. وَهَذَا مَعْنَى الاِجْتِهَادِ.
وَنَقَل ابْنُ الْقَيِّمِ قَرِيبًا مِنْ هَذَا عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ (1) .
وَمَفْهُومُ هَذَا الشَّرْطِ: أَنَّ فُتْيَا الْعَامِّيِّ وَالْمُقَلِّدِ الَّذِي يُفْتِي بِقَوْل غَيْرِهِ لاَ تَصِحُّ،

قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: وَفِي فُتْيَا الْمُقَلِّدِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ:
الأَْوَّل: مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ الْفُتْيَا بِالتَّقْلِيدِ، لأَِنَّهُ لَيْسَ بِعِلْمٍ، وَلأَِنَّ الْمُقَلِّدَ لَيْسَ بِعَالِمٍ وَالْفَتْوَى بِغَيْرِ عِلْمٍ حَرَامٌ، قَال: وَهَذَا قَوْل جُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ وَأَكْثَرِ الْحَنَابِلَةِ.
الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِهِ، فَأَمَّا أَنْ يَتَقَلَّدَ لِغَيْرِهِ وَيُفْتِيَ بِهِ فَلاَ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَعَدَمِ الْعَالِمِ الْمُجْتَهِدِ، قَال: وَهُوَ أَصَحُّ الأَْقْوَال، وَعَلَيْهِ الْعَمَل (2) .
وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ ابْنِ الْهُمَامِ: وَقَدِ اسْتَقَرَّ رَأْيُ الأُْصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ هُوَ الْمُجْتَهِدُ، فَأَمَّا غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ مِمَّنْ يَحْفَظُ أَقْوَال الْمُجْتَهِدِ فَلَيْسَ بِمُفْتٍ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ إِذَا سُئِل أَنْ يَذْكُرَ قَوْل الْمُجْتَهِدِ عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَةِ، فَعُرِفَ أَنَّ مَا يَكُونُ فِي زَمَانِنَا مِنْ فَتْوَى الْمَوْجُودِينَ لَيْسَ بِفَتْوَى، بَل هُوَ نَقْل
__________
(1) إعلام الموقعين 1 / 46.
(2) إعلام الموقعين 1 / 46.
كَلاَمِ الْمُفْتِي لِيَأْخُذَ بِهِ الْمُسْتَفْتِي. اهـ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُ عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَةِ وَلاَ يَجْعَلُهُ كَأَنَّهُ مِنْ كَلاَمِهِ هُوَ، (1) وَمَقْصُودُهُمْ أَنَّ فُتْيَا الْمُقَلِّدِ لَيْسَتْ بِفُتْيَا عَلَى الْحَقِيقَةِ، (2) وَتُسَمَّى فُتْيَا مَجَازًا لِلشَّبَهِ، وَيَجُوزُ الأَْخْذُ بِهَا فِي هَذِهِ الأَْزْمَانِ لِقِلَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ أَوِ انْعِدَامِهِمْ، وَلِذَا قَال صَاحِبُ تَنْوِيرِ الأَْبْصَارِ: الاِجْتِهَادُ شَرْطُ الأَْوْلَوِيَّةِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُ إِذَا وُجِدَ الْمُجْتَهِدُ فَهُوَ الأَْوْلَى بِالتَّوْلِيَةِ. (3)
وَقَال ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: تَوْقِيفُ الْفُتْيَا عَلَى حُصُول الْمُجْتَهِدِ يُفْضِي إِلَى حَرَجٍ عَظِيمٍ، أَوِ اسْتِرْسَال الْخَلْقِ فِي أَهْوَائِهِمْ، فَالْمُخْتَارُ أَنَّ الرَّاوِيَ عَنِ الأَْئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ إِذَا كَانَ عَدْلاً مُتَمَكِّنًا مِنْ فَهْمِ كَلاَمِ الإِْمَامِ، ثُمَّ حَكَى لِلْمُقَلِّدِ قَوْلَهُ فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ، لأَِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْعَامِّيِّ أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ عِنْدَهُ، قَال: وَقَدِ انْعَقَدَ الإِْجْمَاعُ فِي زَمَانِنَا عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْفُتْيَا.
قَال الزَّرْكَشِيُّ: أَمَّا مَنْ شَدَا (جَمَعَ) شَيْئًا
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 47، والمجموع 1 / 45.
(2) ابن الصلاح: الفتوى ق10 مخطوط بدار الكتب المصرية برقم 1889 أصول، والمجموع للنووي 1 / 42.
(3) ابن عابدين 44 / 305، وأيضًا 4 / 306 وانظر إعلام الموقعين 1 / 46، وصفة الفتوى لابن حمدان ص24، وإرشاد الفحول ص296.

الصفحة 28