كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 32)
اسْتَقْرَضَهُ، وَأَمَّا التَّبَرُّعُ: فَلأَِنَّهُ يَنْطَوِي عَلَى تَبَرُّعٍ مِنَ الْمُقْرِضِ لِلْمُسْتَقْرِضِ بِالاِنْتِفَاعِ بِالْمَال الْمُسْتَقْرَضِ بِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، غَيْرَ أَنَّ جَانِبَ التَّبَرُّعِ فِي هَذَا الْعَقْدِ أَرْجَحُ، لأَِنَّ غَايَتَهُ وَثَمَرَتَهُ إنَّمَا هِيَ بَذْل مَنَافِعِ الْمَال الْمُقْرَضِ لِلْمُسْتَقْرِضِ مَجَّانًا، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لاَ يُقَابِلُهُ عِوَضٌ فِي الْحَال، وَلاَ يَمْلِكُهُ مَنْ لاَ يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ، وَلِهَذَا كَانَ كَبَاقِي التَّبَرُّعَاتِ مِنْ هِبَاتٍ وَصَدَقَاتٍ، فَتَنْتَقِل الْمِلْكِيَّةُ فِيهِ بِالْقَبْضِ، لاَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَلاَ بِالتَّصَرُّفِ.
(وَالثَّانِي) لِلْمَالِكِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّ الْمُقْتَرِضَ يَمْلِكُ الْمَال الْمُقْرَضَ مِلْكًا تَامًّا بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ، وَيَصِيرُ مَالاً مِنْ أَمْوَالِهِ، وَيُقْضَى لَهُ بِهِ. (1)
(وَالثَّالِثُ) لأَِبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلٍ عِنْدَهُمْ: وَهُوَ أَنَّ الْمُقْتَرِضَ إنَّمَا يَمْلِكُ الْمَال الْمُقْرَضَ بِالتَّصَرُّفِ، فَإِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ تَبَيَّنَ ثُبُوتُ مِلْكِهِ قَبْلَهُ، وَالْمُرَادُ بِالتَّصَرُّفِ: كُل عَمَلٍ يُزِيل الْمِلْكَ، كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالإِْعْتَاقِ وَالإِْتْلاَفِ، وَلاَ يَكْفِي الرَّهْنُ وَالتَّزْوِيجُ وَالإِْجَارَةُ وَطَحْنُ الْحِنْطَةِ وَخَبْزُ الدَّقِيقِ وَذَبْحُ الشَّاةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ (2) .
__________
(1) الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه 3 / 226، والبهجة شرح التحفة 2 / 288.
(2) بدائع الصنائع 7 / 396، وروضة الطالبين 4 / 35، وفتح العزيز 9 / 391، ومغني المحتاج 2 / 120، والمهذب 1 / 310، والأشباه والنظائر للسيوطي ص 320، والتنبيه للشيرازي ص 70.
وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلاَفِ بَيْنَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ، وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فِيمَا إذَا هَلَكَتِ الْعَيْنُ الْمُقْرَضَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْل الْقَبْضِ، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ ضَمَانُهَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى الْمُقْرِضِ، وَيَكُونُ هَلاَكُهَا فِي عُهْدَتِهِ، لأَِنَّهَا لَمْ تَزَل فِي مِلْكِهِ، وَلَمْ يَمْلِكْهَا الْمُقْتَرِضُ بَعْدُ، فَلاَ تَنْشَغِل ذِمَّتُهُ بِعِوَضِهَا أَصْلاً، بَيْنَمَا يَكُونُ ضَمَانُهَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْمُقْتَرِضِ، وَهُوَ الَّذِي يَتَحَمَّل تَبِعَةَ هَلاَكِهَا، وَعَلَيْهِ رَدُّ بَدَلِهَا لأَِنَّهَا هَلَكَتْ فِي مِلْكِهِ.
كَمَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلاَفِ بَيْنَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ، فِيمَا إذَا اسْتَقْرَضَ شَخْصٌ مِنْ رَجُلٍ كُرًّا مِنْ حِنْطَةٍ وَقَبَضَهُ، ثُمَّ اشْتَرَى ذَلِكَ الْكُرَّ بِعَيْنِهِ مِنَ الْمُقْرِضِ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى قَوْل الْجُمْهُورِ، لأَِنَّ الْمُقْتَرِضَ مَلَكَهُ بِنَفْسِ الْقَبْضِ، فَيَصِيرُ بِعَقْدِ الشِّرَاءِ التَّالِي مُشْتَرِيًا مِلْكَ نَفْسِهِ، أَمَّا عَلَى الْقَوْل الآْخَرِ فَالْكُرُّ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمُقْرِضِ، وَيَصِيرُ الْمُسْتَقْرِضُ مُشْتَرِيًا مِلْكَ غَيْرِهِ، فَيَصِحُّ (1) .
__________
(1) رد المحتار 5 / 164 ط. الحلبي، وشرح المجلة للأتاسي 2 / 440.
الصفحة 282