كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 32)

مِنَ الْعِلْمِ فَقَدْ نُقِل الإِْجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَحِل لَهُ أَنْ يُفْتِيَ (1) .

15 - وَلَيْسَ لِمَنْ يُفْتِي بِمَذْهَبِ إِمَامٍ أَنْ يُفْتِيَ بِهِ إِلاَّ وَقَدْ عَرَفَ دَلِيلَهُ وَوَجْهَ الاِسْتِنْبَاطِ.
قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: لاَ يَجُوزُ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يُفْتِيَ فِي دِينِ اللَّهِ بِمَا هُوَ مُقَلِّدٌ فِيهِ وَلَيْسَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِيهِ سِوَى أَنَّهُ قَوْل مَنْ قَلَّدَهُ، هَذَا إِجْمَاعُ السَّلَفِ وَبِهِ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا. (2)
وَقَال الْجُوَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: مَنْ حَفِظَ نُصُوصَ الشَّافِعِيِّ وَأَقْوَال النَّاسِ بِأَسْرِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْرِفُ حَقَائِقَهَا وَمَعَانِيَهَا لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ وَيَقِيسَ، وَلاَ يَكُونُ مِنْ أَهْل الْفَتْوَى، وَلَوْ أَفْتَى بِهِ لاَ يَجُوزُ، (3) وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ فِي الْمَذْهَبِ مِنَ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ هُمْ أَصْحَابُ التَّرْجِيحِ لاَ يَلْزَمُهُ الأَْخْذُ بِقَوْل الإِْمَامِ عَلَى الإِْطْلاَقِ، بَل عَلَيْهِ النَّظَرُ فِي الدَّلِيل وَتَرْجِيحُ مَا رَجَحَ عِنْدَهُ دَلِيلُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَعَلَيْهِ الأَْخْذُ بِأَقْوَال أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ بِتَرْتِيبٍ الْتَزَمُوهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ مَا شَاءَ (4) وَكَذَا صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ
__________
(1) البحر المحيط للزركشي 6 / 306.
(2) إعلام الموقعين 44 / 195، 198 و1 / 45، ومثله في رسم المفتي لابن عابدين ص11.
(3) البحر المحيط للزركشي 6 / 307.
(4) حاشية ابن عابدين 4 / 302 و1 / 48.
لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَخَيَّرَ فِي مَسْأَلَةٍ ذَاتِ قَوْلَيْنِ، بَل عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ أَيَّهُمَا أَقْرَبَ إِلَى الأَْدِلَّةِ أَوْ قَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ فَيَعْمَل بِهِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَنَقَل الإِْجْمَاعَ عَلَيْهِ وَسَبَقَهُ إِلَى حِكَايَةِ الإِْجْمَاعِ فِيهِ ابْنُ الصَّلاَحِ وَالْبَاجِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَإِذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الصَّوَابَ فِي قَوْل غَيْرِ إِمَامِهِ وَكَانَ لَهُ اجْتِهَادٌ فَلَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ. (1)
وَلَيْسَ لِلْمُفْتِي الْمُقَلِّدِ أَنْ يُفْتِيَ بِالضَّعِيفِ وَالْمَرْجُوحِ مِنَ الأَْقْوَال عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، بَل نَقَل الْحَصْكَفِيُّ أَنَّ الْعَمَل بِالْقَوْل الْمَرْجُوحِ جَهْلٌ وَخَرْقٌ لِلإِْجْمَاعِ (2) وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنْ لَيْسَ لِلْمُفْتِي الْمُقَلِّدِ الإِْفْتَاءُ بِالضَّعِيفِ وَالْمَرْجُوحِ حَتَّى فِي حَقِّ نَفْسِهِ، خِلاَفًا لِلْمَالِكِيَّةِ الَّذِينَ أَجَازُوا لَهُ الْعَمَل بِالضَّعِيفِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ. (3)
16 - وَحَيْثُ قُلْنَا: إِنَّ لِلْمُقَلِّدِ الإِْفْتَاءَ بِقَوْل الْمُجْتَهِدِ، فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ الْمُقَلِّدُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، قَال الشَّافِعِيُّ: الْمَذَاهِبُ لاَ تَمُوتُ بِمَوْتِ أَرْبَابِهَا. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الْمَحْصُول، وَادَّعَى الإِْجْمَاعَ عَلَيْهِ، لأَِنَّ
__________
(1) شرح المنتهى 22 / 458، وإعلام الموقعين 4 / 237، وعقود رسم المفتي لابن عابدين ص11 والمجموع 1 / 68.
(2) الدر المختار بهامش حاشية ابن عابدين 11 / 51، و2 / 602، والدسوقي على الشرح الكبير 4 / 130، و1 / 20، وإعلام الموقعين 4 / 211، 177.
(3) ابن عابدين 1 / 51 وحاشية الدسوقي 4 / 130.

الصفحة 29