كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 32)
بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ لاَ إرْثَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَضْمُونٍ، كَمَنْ قَصَدَ مُوَلِّيَهُ مِمَّا لَهُ فِعْلُهُ مِنْ سَقْيِ دَوَاءٍ أَوْ رَبْطِ جِرَاحَةٍ فَمَاتَ فَيَرِثُهُ، لأَِنَّهُ تَرَتَّبَ عَنْ فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُوَفَّقُ.
قَال الْبُهُوتِيُّ: وَلَعَلَّهُ أَصْوَبُ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْقَوَاعِدِ (1) .
د - الْحِرْمَانُ مِنَ الْوَصِيَّةِ:
11 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِل، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الْقَتْل الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فِي هَذَا.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ، وَابْنُ حَامِدٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِل، وَبِهِ قَال أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا لأَِنَّ الْهِبَةَ لَهُ تَصِحُّ، فَصَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لَهُ كَالذِّمِّيِّ.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَأَبُو بَكْرٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ عَدَمَ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لَهُ، لأَِنَّ الْقَتْل يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنَ الْوَصِيَّةِ، فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى، وَلأَِنَّ الْوَصِيَّةَ أُجْرِيَتْ مُجْرَى الْمِيرَاثِ فَيَمْنَعُهَا مَا يَمْنَعُهُ، وَبِهِ قَال الثَّوْرِيُّ أَيْضًا.
وَفَرَّقَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْجَرْحِ، وَالْوَصِيَّةِ قَبْلَهُ، فَقَال: إنْ وَصَّى
__________
(1) كشاف القناع 4 / 492 - 493.
لَهُ بَعْدَ جَرْحِهِ صَحَّ، وَإِنْ وَصَّى لَهُ قَبْلَهُ ثُمَّ طَرَأَ الْقَتْل عَلَى الْوَصِيَّةِ أَبْطَلَهَا، وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَيْضًا وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: هَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ، لأَِنَّ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ الْجَرْحِ صَدَرَتْ مِنْ أَهْلِهَا فِي مَحَلِّهَا، وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا يُبْطِلُهَا بِخِلاَفِ مَا إذَا تَقَدَّمَتْ، فَإِنَّ الْقَتْل طَرَأَ عَلَيْهَا فَأَبْطَلَهَا، لأَِنَّهُ يُبْطِل مَا هُوَ آكَدُ مِنْهَا (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ إنْ عَلِمَ الْمُوصِي بِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ هُوَ الَّذِي ضَرَبَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً صَحَّ الإِْيصَاءُ مِنْهُ، وَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ فِي الْخَطَأِ فِي الْمَال وَالدِّيَةِ، وَفِي الْعَمْدِ فِي الْمَال فَقَطْ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْمُوصِي فَتَأْوِيلاَنِ فِي صِحَّةِ إيصَائِهِ وَعَدَمِهَا. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (وَصِيَّةٌ) .
أَنْوَاعُ الْقَتْل الَّتِي حُكْمُهَا حُكْمُ الْخَطَأِ:
أ - عَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ:
12 - جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ كَالْخَطَأِ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلاَ قِصَاصَ فِيهِ، لأَِنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْل الْقَصْدِ الصَّحِيحِ (2) . وَالأَْصْل فِي هَذَا قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ
__________
(1) بدائع الصنائع 7 / 338 - 340، وحاشية الدسوقي 4 / 426، ومغني المحتاج 3 / 43، والمغني 6 / 111، 112، وكشاف القناع 4 / 358.
(2) المغني 7 / 637.
الصفحة 330