كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 32)
الشَّرَابَ فَمَاتَ
، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اعْتِبَارِهِ عَمْدًا وَشِبْهَ عَمْدٍ أَوْ خَطَأً، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ هَذَا لاَ يُعْتَبَرُ قَتْلاً، لاَ شِبْهَ عَمْدٍ وَلاَ خَطَأً، لأَِنَّ الْهَلاَكَ حَصَل بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ، وَلاَ صُنْعَ لأَِحَدٍ فِي ذَلِكَ.
وَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ عَلَيْهِ الدِّيَةُ، لأَِنَّهُ لاَ بَقَاءَ لِلآْدَمِيِّ إلاَّ بِالأَْكْل وَالشُّرْبِ، فَالْمَنْعُ عِنْدَ اسْتِيلاَءِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ عَلَيْهِ يَكُونُ إهْلاَكًا لَهُ، فَأَشْبَهَ حَفْرَ الْبِئْرِ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ (1) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إلَى أَنَّ هَذَا قَتْل عَمْدٍ إذَا مَاتَ فِي مُدَّةٍ يَمُوتُ مِثْلُهُ فِيهَا غَالِبًا، وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ النَّاسِ وَالزَّمَانِ وَالأَْحْوَال، فَإِذَا كَانَ عَطَشًا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، مَاتَ فِي الزَّمَنِ الْقَلِيل، وَإِنْ كَانَ رَيَّانَ وَالزَّمَنُ بَارِدٌ أَوْ مُعْتَدِلٌ لَمْ يَمُتْ إلاَّ فِي زَمَنٍ طَوِيلٍ، فَيُعْتَبَرُ هَذَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لاَ يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا فَهُوَ عَمْدُ الْخَطَأِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَشِبْهُ عَمْدٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. (2)
8 - أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ، فَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْقَتْل نَوْعَانِ: عَمْدٌ وَخَطَأٌ، لأَِنَّهُ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إلاَّ الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ، فَمَنْ زَادَ قِسْمًا ثَالِثًا زَادَ عَلَى النَّصِّ، يَقُول اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ
__________
(1) بدائع الصنائع 7 / 234 - 235.
(2) مغني المحتاج 4 / 5، نهاية المحتاج 7 / 239، المغني لابن قدامة 7 / 643.
أَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا إلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَل مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ إلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} . (1)
فَلاَ وَاسِطَةَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، فَالْعَمْدُ عِنْدَ مَالِكٍ هُوَ كُل فِعْلٍ تَعَمَّدَهُ الإِْنْسَانُ بِقَصْدِ الْعُدْوَانِ، فَأَدَّى لِلْمَوْتِ، أَيًّا كَانَتِ الآْلَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي الْقَتْل، أَمَّا إذَا كَانَ مَوْتُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ نَتِيجَةَ فِعْلٍ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ وَالتَّأْدِيبِ فَهُوَ قَتْلٌ خَطَأٌ.
وَفِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ يَقُول ابْنُ وَهْبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِثُبُوتِ شِبْهِ الْعَمْدِ، رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْهُ، وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَرَبِيعَةَ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَحَكَاهُ الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ، وَصُورَتُهُ عِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ مَا كَانَ بِعَصًا أَوْ وَكْزَةٍ أَوْ لَطْمَةٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ فَفِيهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ فَفِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ وَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ.
__________
(1) سورة النساء / 92 - 93.
الصفحة 334