كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 32)

وَفَهْمٍ لِمَبْنَى الْحُكْمِ، وَذَلِكَ أَدْعَى إِلَى الطَّاعَةِ وَالاِمْتِثَال، وَفِي كَثِيرٍ مِنْ فَتَاوَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْحِكَمَ، (1) كَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: نَهَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُزَوَّجَ الْمَرْأَةُ عَلَى الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَقَال: إِنَّكُنَّ إِذَا فَعَلْتُنَّ ذَلِكَ قَطَعْتُنَّ أَرْحَامَكُنَّ (2) وَقَوْلِهِ فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ: أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَال أَخِيهِ؟ (3) وَقَال الصَّيْمَرِيُّ: لاَ يَذْكُرُ الْحُجَّةَ إِنْ أَفْتَى عَامِّيًّا، وَيَذْكُرُهَا إِنْ أَفْتَى فَقِيهًا، وَإِنْ تَعَلَّقَتِ الْفَتْوَى بِقَضَاءِ قَاضٍ فَيُومِئُ فِيهَا إِلَى طَرِيقِ الاِجْتِهَادِ وَيُلَوِّحُ بِالنُّكْتَةِ، وَكَذَا إِنْ أَفْتَى فِيمَا غَلِطَ فِيهِ غَيْرُهُ فَيُبَيِّنُ وَجْهَ الاِسْتِدْلاَل.
وَقَال الْمَاوَرْدِيُّ: لاَ يَذْكُرُ الْحُجَّةَ لِئَلاَّ يَخْرُجَ مِنَ الْفَتْوَى إِلَى التَّصْنِيفِ. (4)
د - لاَ يَقُول فِي الْفُتْيَا: هَذَا حُكْمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلاَّ بِنَصٍّ قَاطِعٍ، أَمَّا الأُْمُورُ الاِجْتِهَادِيَّةُ فَيَتَجَنَّبُ فِيهَا ذَلِكَ لِحَدِيثِ: وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْل حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلاَ تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي
__________
(1) إعلام الموقعين 4 / 160، 259.
(2) حديث ابن عباس قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تزوج المرأة على العمة والخالة. . . ". أخرجه ابن حبان، (9 / 426 - الإحسان) .
(3) حديث: " أرأيت إذا منع الله الثمرة. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 398) من حديث أنس ابن مالك.
(4) المجموع للنووي 1 / 52.
أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لاَ؟ . (1)
وَهَذَا عَلَى قَوْل مَنْ يَجْعَل الصَّوَابَ فِي قَوْل أَحَدِ الْمُخْتَلِفِينَ، أَمَّا مَنْ يَقُول: كُل مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَقُول: هَذَا حُكْمُ اللَّهِ، وَهُوَ مَذْهَبٌ مَرْجُوحٌ. (2)
هـ - يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْفُتْيَا بِكَلاَمٍ مُوجَزٍ وَاضِحٍ مُسْتَوْفٍ لِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُسْتَفْتِي مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِسُؤَالِهِ، وَيَتَجَنَّبُ الإِْطْنَابَ فِيمَا لاَ أَثَرَ لَهُ، لأَِنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ تَحْدِيدٍ، لاَ مَقَامُ وَعْظٍ أَوْ تَعْلِيمٍ أَوْ تَصْنِيفٍ. (3)
قَال الْقَرَافِيُّ: إِلاَّ فِي نَازِلَةٍ عَظِيمَةٍ تَتَعَلَّقُ بِوُلاَةِ الأُْمُورِ، وَلَهَا صِلَةٌ بِالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، فَيَحْسُنُ الإِْطْنَابُ بِالْحَثِّ وَالإِْيضَاحِ وَالاِسْتِدْلاَل، وَبَيَانِ الْحِكَمِ وَالْعَوَاقِبِ، لِيَحْصُل الاِمْتِثَال التَّامُّ. (4)
وَإِنْ كَانَ لِكَلاَمِهِ قَبُولٌ وَيَحْرِصُ النَّاسُ عَلَى الاِطِّلاَعِ عَلَيْهِ، فَلاَ بَأْسَ بِالإِْطَالَةِ وَاسْتِيفَاءِ جَوَانِبِ الْمَسْأَلَةِ.

الإِْفْتَاءُ بِالإِْشَارَةِ:
32 - تَجُوزُ الْفُتْيَا بِالإِْشَارَةِ إِنْ كَانَتْ مُفْهِمَةً لِلْمُرَادِ (5) وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَفْتَى
__________
(1) حديث: " إذا حاصرت أهل حصن. . . " أخرجه مسلم (3 / 1358) من حديث بريدة.
(2) إعلام الموقعين 4 / 175، 1 / 39، 44.
(3) صفة الفتوى لابن حمدان ص60.
(4) الإحكام للقرافي ص364، وانظر مجموع النووي 1 / 49.
(5) حاشية ابن عابدين 4 / 302، وشرح المحلي على منهاج الطالبين 3 / 327، والموافقات 4 / 247.

الصفحة 41