كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 32)

أُعَلِّمُكَ الإِْسْلاَمَ أَوِ الْوُضُوءَ أَوِ الصَّلاَةَ إِلاَّ بِأُجْرَةٍ، قَالُوا: فَهَذَا حَرَامٌ قَطْعًا، وَعَلَيْهِ رَدُّ الْعِوَضِ، وَلاَ يَمْلِكُهُ، قَالُوا: وَيَلْزَمُهُ الإِْجَابَةُ مَجَّانًا لِلَّهِ بِلَفْظِهِ أَوْ خَطِّهِ إِنْ طَلَبَ الْمُسْتَفْتِي الْجَوَابَ كِتَابَةً، لَكِنْ لاَ يَلْزَمُهُ الْوَرَقُ وَالْحِبْرُ.
وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَخْذَ الْمُفْتِي الأُْجْرَةَ عَلَى الْكِتَابَةِ، لأَِنَّهُ كَالنَّسْخِ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَخْذُ الأُْجْرَةِ عَلَى الْفَتْوَى إِنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ. (2)

أَخْذُ الْمُفْتِي الْهَدِيَّةَ:
35 - الأَْصْل أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَخْذُ الْهَدِيَّةِ مِنَ النَّاسِ بِخِلاَفِ الْقَاضِي، وَالأَْوْلَى لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيُكَافِئَ عَلَيْهَا، اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ يَقْبَل الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا (3) وَهَذَا إِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ سَبَبِ الْفُتْيَا، لأَِنَّهُ إِنَّمَا يُهْدَى إِلَيْهِ لِعِلْمِهِ، بِخِلاَفِ الْقَاضِي.
وَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبِ الْفُتْيَا فَالأَْوْلَى عَدَمُ الْقَبُول، لِيَكُونَ إِفْتَاؤُهُ خَالِصًا لِلَّهِ، وَهَذَا إِنْ كَانَ إِفْتَاؤُهُ لاَ يَخْتَلِفُ بَيْنَ مَنْ يُهْدِيهِ وَمَنْ لاَ يُهْدِيهِ، وَإِنْ كَانَ يُهْدِيهِ لِتَكُونَ سَبَبًا إِلَى أَنْ يُفْتِيَهُ بِمَا لاَ يُفْتِي بِهِ غَيْرَهُ مِنَ الرُّخَصِ قَال ابْنُ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 4 / 311، وإعلام الموقعين 4 / 232، وشرح المنتهى 3 / 462.
(2) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 20.
(3) حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقبل الهدية ويثيب عليها. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 260) من حديث عائشة.
الْقَيِّمِ: لاَ يَجُوزُ لَهُ قَبُولُهَا، وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ: إِنْ كَانَتْ سَبَبًا لِيُرَخِّصَ لَهُ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ فَأَخْذُهَا مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً شَدِيدَةً، وَإِنْ كَانَ بِوَجْهٍ بَاطِلٍ فَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ، يُبَدِّل أَحْكَامَ اللَّهِ، وَيَشْتَرِي بِهَا ثَمَنًا قَلِيلاً (1) .
وَفِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ لِلْمَالِكِيَّةِ: يَجُوزُ لِلْمُفْتِي قَبُول الْهَدِيَّةِ مِمَّنْ لاَ يَرْجُو مِنْهُ جَاهًا وَلاَ عَوْنًا عَلَى خَصْمٍ. (2)

الْخَطَأُ فِي الْفُتْيَا:
36 - إِذَا أَخْطَأَ الْمُفْتِي، فَإِنْ كَانَ خَطَؤُهُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ، أَوْ كَانَ أَهْلاً لَكِنَّهُ لَمْ يَبْذُل جَهْدَهُ بَل تَعَجَّل، يَكُونُ آثِمًا، لِحَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ صُدُورِ الْعُلَمَاءِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُهُ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا (3) .
أَمَّا إِنْ كَانَ أَهْلاً وَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ، بَل لَهُ أَجْرُ اجْتِهَادِهِ، قِيَاسًا عَلَى مَا وَرَدَ فِي خَطَأِ الْقَاضِي، وَهُوَ قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ،
__________
(1) حاشية ابن عابدين 4 / 311، وشرح المنتهى 3 / 471، وإعلام الموقعين 4 / 232.
(2) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4 / 140.
(3) حديث: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا. . . " تقدم تخريجه ف8.

الصفحة 43