كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 32)

وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ:
وَلاَ يَجُوزُ رَدُّ أَسْلِحَتِهِمُ الَّتِي اسْتَوْلَيْنَا عَلَيْهَا بِمَالٍ يَبْذُلُونَهُ لَنَا، لأَِنَّا لاَ نَبِيعُهُمْ سِلاَحًا، لَكِنَّهُ يَجُوزُ فِي الأَْوْجَهِ عِنْدَهُمْ مُفَادَاةُ أَسْرَانَا بِسِلاَحِهِمُ الَّذِي غَنِمْنَاهُ مِنْهُمْ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ لِلإِْمَامِ فِدَاءُ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ بِخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ، وَطَرِيقُ ذَلِكَ أَنْ يَأْمُرَ الإِْمَامُ أَهْل الذِّمَّةِ بِدَفْعِ ذَلِكَ لِلْعَدُوِّ، وَيُحَاسِبَهُمْ بِقِيمَةِ ذَلِكَ مِمَّا عَلَيْهِمْ مِنَ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ جَازَ شِرَاءُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لاِفْتِدَاءِ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ لِلضَّرُورَةِ، وَقَالُوا: وَمَحَل ذَلِكَ إِنْ لَمْ يَرْضَوْا إِلاَّ بِذَلِكَ، أَمَّا إِذَا رَضُوا بِغَيْرِهِ فَلاَ يَجُوزُ الْفِدَاءُ بِهِمَا. (1)

فِدَاءُ أَسْرَى الْعَدُوِّ بِأَسْرَى مُسْلِمِينَ:
7 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ لِلإِْمَامِ فِدَاءَ أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ بِأَسْرَى مُسْلِمِينَ أَوْ ذِمِّيِّينَ، وَلَوْ وَاحِدًا فِي مُقَابِل جَمْعٍ مِنْ أَسْرَاهُمْ، قَال الشَّافِعِيَّةُ: رِجَالاً، أَوْ نِسَاءً، أَوْ خَنَاثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ، إِنْ رَأَى الإِْمَامُ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ " (2) . لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ
__________
(1) حاشية الدسوقي 2 / 208، وشرح الزرقاني 3 / 150، وأسنى المطالب 4 / 193، ونهاية المحتاج 8 / 65.
(2) روض الطالب 4 / 193، ونهاية المحتاج 8 / 65، 68، وكشاف القناع 3 / 53، والمغني 8 / 376، وحاشية الدسوقي 2 / 208، وشرح الزرقاني 3 / 150، وفتح القدير 5 / 219، وابن عابدين 3 / 229، والسير الكبير 4 / 1587.
وَإِمَّا فِدَاءً} (1) . وَلِمَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَى رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ بِرَجُلَيْنِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي بَنِي عَقِيلٍ، وَصَاحِبَ الْعَضْبَاءِ بِرَجُلَيْنِ. (2)
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْهُ: لاَ مُفَادَاةَ بِالأَْسْرَى، لأَِنَّ فِي ذَلِكَ مَعُونَةً لِلْكُفْرِ، لأَِنَّ أَسْرَاهُمْ يَعُودُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا، وَدَفْعُ شَرِّ حِرَابَتِهِمْ خَيْرٌ مِنَ اسْتِنْقَاذِ الأَْسِيرِ الْمُسْلِمِ، لأَِنَّهُ إِذَا بَقِيَ فِي أَيْدِيهِمْ كَانَ ابْتِلاَءً فِي حَقِّهِ غَيْرَ مُضَافٍ إِلَيْنَا، وَالإِْعَانَةُ بِدَفْعِ أَسِرْهُمْ إِلَيْهِمْ مُضَافٌ إِلَيْنَا، وَهُوَ مِنْ بَابِ تَحَمُّل الضَّرَرِ الْخَاصِّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَْشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} (3) . وَفِي الْمُفَادَاةِ تَرْكُ الْقَتْل وَهُوَ فَرْضٌ، وَلاَ يَجُوزُ تَرْكُ الْفَرْضِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ إِقَامَتِهِ بِحَالٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بِجَوَازِ ذَلِكَ. وَجَاءَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: وَهِيَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: أَنَّ تَخْلِيصَ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ وَاجِبٌ وَلاَ يُتَوَصَّل إِلَى ذَلِكَ إِلاَّ بِطَرِيقِ الْمُفَادَاةِ وَلَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ تَرْكِ قَتْل أَسَارَى الْمُشْرِكِينَ، وَذَلِكَ
__________
(1) سورة محمد / 4.
(2) حديث عمران بن حصين " أن النبي صلى الله عليه وسلم فدى رجلين. . . ". أخرجه مسلم (3 / 1262 - 1263) .
(3) سورة التوبة / 5.

الصفحة 62