كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 32)

جَائِزٌ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ أَوْلَى مِنْ قَتْل الْكَافِرِ وَمِنَ الاِنْتِفَاعِ بِهِ، لأَِنَّ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ عَظِيمَةٌ. (1)
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ (أَسْرَى ف 25)

8 - وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ مُفَادَاةِ الأَْسْرَى مِنْ صِبْيَانِ الْمُشْرِكِينَ بِمَالٍ أَوْ بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ. وَوَجَّهَ الْحَنَابِلَةُ عَدَمَ الرَّدِّ بِأَنَّ الصَّبِيَّ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلاَمِ سَابِيهِ، فَلاَ يَجُوزُ رَدُّهُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ. وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ ذَلِكَ بِمَا إِذَا أُسِرَ الصِّبْيَانُ وَحْدَهُمْ بِدُونِ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَأُخْرِجُوا إِلَى دَارِ الإِْسْلاَمِ، لأَِنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْحَال يَصِيرُونَ مُسْلِمِينَ تَبَعًا لِلدَّارِ، فَلاَ يَجُوزُ رَدُّهُمْ لِدَارِ الْكُفْرِ لِذَلِكَ، إِلاَّ أَنَّ ابْنَ عَابِدِينَ قَال: وَلَعَل الْمَنْعَ فِيمَا إِذَا أُخِذَ الْبَدَل مَالاً وَإِلاَّ فَلاَ. (2)

فِدَاءُ أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ إِذَا أَسْلَمُوا:
9 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ أَسْلَمَ أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ قَبْل أَنْ يُفَادَى بِهِمْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لاَ تَجُوزُ الْمُفَادَاةُ، لأَِنَّهُمْ صَارُوا كَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْل الإِْسْلاَمِ، فَلاَ يَجُوزُ تَعْرِيضُهُمْ لِلْفِتْنَةِ بِطَرِيقِ الْمُفَادَاةِ، إِلاَّ إِذَا أُمِنَ عَلَى إِسْلاَمِهِمْ وَطَابَتْ أَنْفُسُهُمْ بِذَلِكَ. (3)
__________
(1) فتح القدير5 / 220، والسير الكبير 4 / 1587، وابن عابدين 3 / 219.
(2) المصادر السابقة.
(3) حاشية ابن عابدين 3 / 230.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ لِلإِْمَامِ مُفَادَاتُهُمْ بِالأَْسْرَى، وَبِالْمَال إِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، إِذَا كَانَ الأَْسِيرُ لَهُ ثَمَّ عَشِيرَةٌ يَأْمَنُ مَعَهَا عَلَى نَفْسِهِ وَدِينِهِ، وَإِلاَّ فَلاَ يَجُوزُ، لِحُرْمَةِ الإِْقَامَةِ بِدَارِ الْحَرْبِ عَلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ عَشِيرَةٌ تَمْنَعُ عَنْهُ. (1)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَسْلَمَ الأَْسِيرُ صَارَ رَقِيقًا كَالْمَرْأَةِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُفَادَى إِلاَّ بِإِذْنِ الْغَانِمِينَ، لأَِنَّهُ صَارَ مَالاً لَهُمْ، لأَِنَّهُ أَسِيرٌ يَحْرُمُ قَتْلُهُ فَصَارَ رَقِيقًا كَالْمَرْأَةِ، وَقِيل: يَحْرُمُ الْقَتْل، وَيُخَيَّرُ فِيهِمُ الأَْسِيرُ بَيْنَ رِقٍّ وَمَنٍّ وَفِدَاءٍ.
وَيَحْرُمُ رَدُّهُ إِلَى الْكُفَّارِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْ يَمْنَعُهُ مِنَ الْكُفَّارِ مِنْ عَشِيرَةٍ وَنَحْوِهَا، (2) وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ: أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَسَرُوا رَجُلاً فَأَسْلَمَ، وَفَادَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ (3) .
وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: لِلإِْمَامِ أَنْ يُفَادِيَ بِالأَْسِيرِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي سَهْمِ أَحَدِ الْغَانِمِينَ، رَضِيَ أَمْ أَبَى، وَيُعَوِّضَهُ قِيمَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَال، لأَِنَّ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ مِنَ الأَْسْرِ فَرْضٌ عَلَيْهِ وَعَلَى كُل مُسْلِمٍ، بِحَسَبِ الْقُدْرَةِ
__________
(1) نهاية المحتاج 8 / 66، وأسنى المطالب 4 / 193.
(2) كشاف القناع 3 / 54، والمغني 8 / 374.
(3) حديث: " أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أسروا رجلاً فأسلم. . . ". تقدم ف7 من حديث عمران بن الحصين.

الصفحة 63