كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 32)

الْحَامِل أَوِ الْمُرْضِعِ الصَّوْمَ أَوِ الصِّيَامَ، قَال الرَّاوِي: وَاللَّهِ لَقَدْ قَالَهُمَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَاللَّيْثُ - وَهُوَ قَوْلٌ ثَالِثٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - إِلَى أَنَّ الْحَامِل تُفْطِرُ وَتَقْضِي وَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهَا، وَأَنَّ الْمُرْضِعَ تُفْطِرُ وَتَقْضِي وَتَفْدِي، لأَِنَّ الْمُرْضِعَ يُمْكِنُهَا أَنْ تَسْتَرْضِعَ لِوَلَدِهَا، بِخِلاَفِ الْحَامِل، وَلأَِنَّ الْحَمْل مُتَّصِلٌ بِالْحَامِل، فَالْخَوْفُ عَلَيْهِ كَالْخَوْفِ عَلَى بَعْضِ أَعْضَائِهَا، وَلأَِنَّ الْحَامِل أَفْطَرَتْ لِمَعْنًى فِيهَا، فَهِيَ كَالْمَرِيضِ، وَالْمُرْضِعَ أَفْطَرَتْ لِمُنْفَصِلٍ عَنْهَا، فَوَجَبَ عَلَيْهَا الْفِدْيَةُ. (2)
وَذَهَبَ بَعْضُ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَمِنْهُمُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِلَى أَنَّهُمَا يُفْطِرَانِ وَيُطْعِمَانِ وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِمَا. (3)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: وَالأَْصَحُّ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْمُرْضِعِ فِي إِيجَابِ الْفِدْيَةِ مَعَ الْقَضَاءِ: مَنْ أَفْطَرَ لإِِنْقَاذِ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ أَوْ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ مُشْرِفٍ عَلَى هَلاَكٍ بِغَرَقٍ أَوْ غَيْرِهِ إِبْقَاءً لِمُهْجَتِهِ،
__________
(1) حديث: " إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة. . . " أخرجه الترمذي (3 / 85) من حديث أنس بن مالك، وحسنه.
(2) البدائع 2 / 97، والفواكه الدواني 1 / 359، والمجموع 6 / 267 - 269، والمغني 3 / 139.
(3) المجموع للنووي 6 / 269.
فَهُوَ فِطْر ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ: وَهُوَ حُصُول الْفِطْرِ لِلْمُفْطِرِ، وَالْخَلاَصِ لِغَيْرِهِ (1) .

مَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ مَعَ إِمْكَانِهِ حَتَّى دَخَل رَمَضَانُ آخَرُ:
16 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَلَى الإِْنْسَانِ قَضَاءُ رَمَضَانَ أَوْ بَعْضِهِ، وَأَخَّرَهُ إِلَى أَنْ يَدْخُل رَمَضَانُ، وَكَانَ مَعْذُورًا فِي تَأْخِيرِ الْقَضَاءِ بِأَنِ اسْتَمَرَّ مَرَضُهُ أَوْ سَفَرُهُ وَنَحْوُهُمَا، جَازَ لَهُ التَّأْخِيرُ مَا دَامَ الْعُذْرُ وَلَوْ بَقِيَ سِنِينَ، وَلاَ تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ بِهَذَا التَّأْخِيرِ وَإِنْ تَكَرَّرَ دُخُول شَهْرِ رَمَضَانَ، لأَِنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ أَدَاءِ رَمَضَانَ بِهَذَا الْعُذْرِ، فَتَأْخِيرُ الْقَضَاءِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ.
وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ حَتَّى دَخَل رَمَضَانُ آخَرُ بِغَيْرِ عُذْرٍ، هَل تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ مَعَ الْقَضَاءِ أَوْ لاَ؟
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - وَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالزُّهْرِيُّ وَالأَْوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَالثَّوْرِيُّ - إِلَى لُزُومِ الْفِدْيَةِ مَعَ الْقَضَاءِ، وَهِيَ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ عَنْ كُل يَوْمٍ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَدَاوُدُ وَالْمُزَنِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ
__________
(1) مغني المحتاج 1 / 441.

الصفحة 70