كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 33)

الْحَدِّ عَلَى قَاذِفِهِ، وَإِنْ قَذَفَ زَانِيًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} (1) ، فَأَسْقَطَ الْحَدَّ عَنْهُ إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ زَنَى، فَدَل عَلَى أَنَّهُ إِذَا قَذَفَهُ وَهُوَ زَانٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَقَال مَالِكٌ فِي الصَّبِيَّةِ الَّتِي يُجَامَعُ مِثْلُهَا: يُحَدُّ قَاذِفُهَا، خُصُوصًا إِذَا كَانَتْ مُرَاهِقَةً، فَإِنَّ الْحَدَّ بِعِلَّةِ إِلْحَاقِ الْعَارِ، وَمِثْلُهَا يَلْحَقُهُ (2) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (إِحْصَان ف 15 - 19) .

وُقُوعُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ دَارِ الإِْسْلاَمِ:
15 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْقَاذِفِ فِي غَيْرِ دَارِ الإِْسْلاَمِ، مَعَ مُرَاعَاةِ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ فِي الْقَاذِفِ، كَمَا يَجِبُ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ، لأَِنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ دَارِ الْحَرْبِ وَدَارِ الإِْسْلاَمِ فِيمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى خَلْقِهِ مِنَ الْحُدُودِ؛ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُول: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ (3) ، وَقَال تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ
__________
(1) سورة النور / 4.
(2) فتح القدير 4 / 192، 193، وحاشية الدسوقي 4 / 325، والقرطبي سورة النور ص 4565 طبعة دار الشعب، والمهذب 2 / 79، والمغني 8 / 216.
(3) سورة النور / 4.
ثَمَانِينَ جَلْدَةً} ، وَقَال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (1) ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ مَنْ كَانَ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ، وَلاَ فِي دَارِ الْكُفْرِ، وَالْحَرَامُ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ حَرَامٌ فِي دَارِ الْكُفْرِ، فَمَنْ أَصَابَ حَرَامًا فَقَدْ حَدَّهُ اللَّهُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، وَلاَ تَضَعُ عَنْهُ بِلاَدُ الْكُفْرِ شَيْئًا، وَيُقَامُ الْحَدُّ فِي كُل مَوْضِعٍ؛ لأَِنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِإِقَامَتِهِ مُطْلَقٌ فِي كُل مَكَانٍ وَزَمَانٍ، وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يُقَامُ الْحَدُّ إِلاَّ إِذَا رَجَعَ إِلَى بِلاَدِ الإِْسْلاَمِ (2) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ فِي غَيْرِ دَارِ الإِْسْلاَمِ؛ لأَِنَّهُ فِي دَارٍ لاَ حَدَّ عَلَى أَهْلِهَا؛ وَلأَِنَّهُ ارْتَكَبَ السَّبَبَ وَهُوَ لَيْسَ تَحْتَ وِلاَيَةِ الإِْمَامِ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ لِلإِْمَامِ وِلاَيَةُ الاِسْتِيفَاءِ إِذَا ارْتَكَبَ السَّبَبَ وَهُوَ تَحْتَ وِلاَيَتِهِ، وَبِدُونِ الْمُسْتَوْفَى لاَ يَجِبُ الْحَدُّ.
وَلَوْ دَخَل الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَقَذَفَ مُسْلِمًا، لَمْ يُحَدَّ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ الأَْوَّل؛ لأَِنَّ الْمُغَلَّبَ فِي هَذَا الْحَدِّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَلأَِنَّهُ لَيْسَ لِلإِْمَامِ عَلَيْهِ وِلاَيَةُ الاِسْتِيفَاءِ، حِينَ لَمْ يَلْتَزِمْ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ بِدُخُولِهِ دَارَنَا بِأَمَانٍ.
وَيُحَدُّ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ الآْخَرِ، وَهُوَ قَوْل
__________
(1) سورة المائدة / 38.
(2) المغني 8 / 216، والأم 7 / 322، والخرشي 3 / 111.

الصفحة 12