كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 33)
فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ وَقَال: شَاطَ ثَلاَثَةُ أَرْبَاعِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَجَاءَ زِيَادٌ فَقَال: أَمَّا عِنْدَكَ؟ فَلَمْ يَثْبُتْ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَجُلِدُوا، وَقَال: شُهُودُ زُورٍ، فَقَال أَبُو بَكْرَةَ: أَلَيْسَ تَرْضَى إِنْ أَتَاكَ رَجُلٌ عَدْلٌ يَشْهَدُ بِرَجْمِهِ؟ قَال: نَعَمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، فَقَال أَبُو بَكْرَةَ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ زَانٍ، فَأَرَادَ أَنْ يُعِيدَ عَلَيْهِ الْجَلْدَ، فَقَال عَلِيٌّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكَ إِنْ أَعَدْتَ عَلَيْهِ الْجَلْدَ أَوْجَبْتَ عَلَيْهِ الرَّجْمَ (1) ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: فَلاَ يُعَادُ فِي فِرْيَةٍ جَلْدٌ مَرَّتَيْنِ.
فَأَمَّا إِنْ حُدَّ لَهُ، ثُمَّ قَذَفَهُ بِزِنًا ثَانٍ، نُظِرَ: فَإِنْ قَذَفَهُ بَعْدَ طُول الْفَصْل فَحَدٌّ ثَانٍ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُسْقِطُ حُرْمَةَ الْمَقْذُوفِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَاذِفِ أَبَدًا، بِحَيْثُ يُمَكَّنُ مِنْ قَذْفِهِ بِكُل حَالٍ. وَإِنْ قَذَفَهُ عَقِيبَ حَدِّهِ فَفِيهِ رَأْيَانِ:
الأَْوَّل: يُحَدُّ أَيْضًا؛ لأَِنَّهُ قَذْفٌ لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُ فِيهِ بِحَدٍّ، فَيَلْزَمُ فِيهِ حَدٌّ، كَمَا لَوْ طَال الْفَصْل؛ وَلأَِنَّ سَائِرَ أَسْبَابِ الْحَدِّ إِذَا تَكَرَّرَتْ بَعْدَ أَنْ حُدَّ لِلأَْوَّل، ثَبَتَ لِلثَّانِي حُكْمُهُ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الأَْسْبَابِ.
__________
(1) قصة المغيرة بن شعبة أنه شهد عليه ثلاثة نفر، أخرجه الأثرم كما في المغني لابن قدامة (8 / 235) ، وبمعناها أخرجها البيهقي (8 / 224 - 225) .
الثَّانِي: لاَ يُحَدُّ؛ لأَِنَّهُ قَدْ حُدَّ لَهُ مَرَّةً، فَلَمْ يُحَدَّ لَهُ بِالْقَذْفِ عَقِبَهُ، كَمَا لَوْ قَذَفَهُ بِالزِّنَا الأَْوَّل (1) .
حُكْمُ قَذْفِ مَنْ وَطِئَ بِشُبْهَةٍ:
27 - مَنْ قَذَفَ مَنْ وَطِئَ بِشُبْهَةٍ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ إِذَا لَمْ يَسْقُطْ بِهَذَا الْوَطْءِ إِحْصَانُهُ، فَإِنْ سَقَطَ بِهَذَا الْوَطْءِ إِحْصَانُهُ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ؛ لأَِنَّهُ قَذَفَ غَيْرَ مُحْصَنٍ، وَيُعَزَّرُ لِلإِْيذَاءِ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَنْ قَذَفَ رَجُلاً اسْتَكْرَهَ امْرَأَةً عَلَى الزِّنَا، أَوْ قَذَفَهَا، فَلاَ حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ؛ لأَِنَّ قَذْفَهُ لِلزَّانِي كَانَ حَقًّا، وَلأَِنَّ الْمَرْأَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً، لَكِنَّ الزِّنَا بِهَا يُسْقِطُ إِحْصَانَهَا مَعَ رَفْعِ الإِْثْمِ عَنْهَا.
انْظُرْ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْصَان ف 7) وَمُصْطَلَحِ (زِنًا ف 16 - 21)
حُكْمُ مَنْ قَذَفَ مَنْ وَطِئَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا:
28 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ، عَلَى أَنَّ مَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا لَمْ يَسْقُطْ إِحْصَانُهُ، وَيُحَدُّ قَاذِفُهُ؛ لأَِنَّ الْوَطْءَ فِي الْمِلْكِ، وَالْحُرْمَةَ بِعَارِضٍ عَلَى احْتِمَال الزَّوَال، وَهَذَا لأَِنَّ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ بِالْمَحَل لاَ يَكُونُ الْفِعْل زِنًا وَلاَ فِي مَعْنَاهُ (2) .
__________
(1) فتح القدير 4 / 205، والمبسوط 9 / 117، والإقناع 3 / 203، والمغني 8 / 235.
(2) المبسوط 9 / 116، وروضة الطالبين 8 / 322.
الصفحة 17
393