كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 33)

مَعْصُومَ الدَّمِ، أَوْ مَحْقُونَ الدَّمِ فِي حَقِّ الْقَاتِل.
فَإِذَا كَانَ الْقَتِيل مُهْدَرَ الدَّمِ فِي حَقِّ جَمِيعِ النَّاسِ - كَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ - لَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ قِصَاصٌ مُطْلَقًا.
فَإِذَا كَانَ مُهْدَرَ الدَّمِ فِي حَقِّ بَعْضِ النَّاسِ دُونَ سَائِرِهِمْ، كَالْقَاتِل الْمُسْتَحِقِّ لِلْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ فِي حَقِّ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيل خَاصَّةً، فَإِنْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ قُتِل بِهِ قِصَاصًا؛ لأَِنَّهُ غَيْرُ مُهْدَرِ الدَّمِ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ قَتَلَهُ وَلِيُّ الدَّمِ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ؛ لأَِنَّهُ مُهْدَرُ الدَّمِ فِي حَقِّهِ.
إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ اشْتَرَطُوا أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُول مَحْقُونَ الدَّمِ فِي حَقِّ الْقَاتِل عَلَى التَّأْبِيدِ كَالْمُسْلِمِ، فَإِنْ كَانَتْ عِصْمَتُهُ مُؤَقَّتَةً كَالْمُسْتَأْمَنِ لَمْ يُقْتَل بِهِ قَاتِلُهُ؛ لأَِنَّ الْمُسْتَأْمَنَ مَصُونُ الدَّمِ فِي حَال أَمَانِهِ فَقَطْ، وَهُوَ مُهْدَرُ الدَّمِ فِي الأَْصْل، لأَِنَّهُ حَرْبِيٌّ، فَلاَ قِصَاصَ فِي قَتْلِهِ، (1) إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَاتِلُهُ مُسْتَأْمَنًا أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَيُقْتَل بِهِ لِلْمُسَاوَاةِ لاَ اسْتِحْسَانًا، وَقِيل: لاَ يُقْتَل عَلَى الاِسْتِحْسَانِ (2) ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْقِصَاصُ فِي قَتْل الْمُسْلِمِ الْمُسْتَأْمَنِ؛ لِقِيَامِ الْعِصْمَةِ وَقْتَ الْقَتْل. (3)
__________
(1) ابن عابدين 5 / 343، والمغني 7 / 653.
(2) ابن عابدين 5 / 344، والبدائع 7 / 236.
(3) البدائع 7 / 236.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي الْعِصْمَةِ التَّأْبِيدُ، وَعَلَى ذَلِكَ يُقْتَل قَاتِل الْمُسْتَأْمَنِ، (1) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} . (2)

ج - الْمُكَافَأَةُ بَيْنَ الْقَاتِل وَالْقَتِيل:
13 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْل الْمُكَافَأَةُ بَيْنَ الْقَاتِل وَالْقَتِيل فِي أَوْصَافٍ اعْتَبَرُوهَا، فَلاَ يُقْتَل الأَْعْلَى بِالأَْدْنَى، وَلَكِنْ يُقْتَل الأَْدْنَى بِالأَْعْلَى وَبِالْمُسَاوِي.
وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ، وَقَالُوا: لاَ يُشْتَرَطُ فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْقَاتِل وَالْقَتِيل، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يُقْتَل عِنْدَهُمُ الْمُسْلِمُ وَلاَ الذِّمِّيُّ بِالْحَرْبِيِّ، لاَ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ بَل لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ. (3)
إِلاَّ أَنَّ الْجُمْهُورَ اخْتَلَفُوا فِي الأَْوْصَافِ الَّتِي اعْتَبَرُوهَا لِلْمُكَافَأَةِ.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى اشْتِرَاطِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْقَاتِل وَالْقَتِيل فِي الإِْسْلاَمِ وَالْحُرِّيَّةِ. أَوْ أَنْ يَكُونَ الْقَتِيل أَزْيَدَ مِنَ الْقَاتِل فِي ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ الْقَاتِل أَزْيَدَ مِنَ الْقَتِيل فِيهِمَا فَلاَ قِصَاصَ، فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْقَصَ
__________
(1) الشرح الكبير 4 / 241، ومغني المحتاج 4 / 14.
(2) سورة التوبة / 6.
(3) الدر المختار 5 / 343 - 344.

الصفحة 263