كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 33)
النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيل اللَّهِ} (1) ، وَقَوْلُهُ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَل اللَّهُ} (2) .
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ وَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ (3) ، وَقَدْ تَوَلاَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعَثَ عَلِيًّا إِلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا (4) ، وَبَعَثَ مُعَاذًا قَاضِيًا (5) ، كَمَا تَوَلاَّهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْدِهِ وَبَعَثُوا الْقُضَاةَ إِلَى الأَْمْصَارِ.
وَأَمَّا الإِْجْمَاعُ: فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ نَصْبِ الْقُضَاةِ وَالْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ.
8 - وَالأَْصْل فِي الْقَضَاءِ أَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، فَإِذَا قَامَ بِهِ الصَّالِحُ لَهُ سَقَطَ الْفَرْضُ فِيهِ عَنِ الْبَاقِينَ، وَإِنِ امْتَنَعَ كُل الصَّالِحِينَ لَهُ أَثِمُوا.
أَمَّا كَوْنُهُ فَرْضًا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا
__________
(1) سورة ص / 26.
(2) سورة المائدة / 49.
(3) حديث: " إذا حكم الحاكم فاجتهد. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 13 / 318) ومسلم (3 / 1343) من حديث عمرو بن العاص.
(4) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليًا إلى اليمن قاضيًا " أخرجه أبو داود (4 / 11) .
(5) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا قاضيًا. . " أخرجه الترمذي (3 / 607) وقال: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده عندي بمتصل.
الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} ، (1) وَلأَِنَّ طِبَاعَ الْبَشَرِ مَجْبُولَةٌ عَلَى التَّظَالُمِ وَمَنْعِ الْحُقُوقِ وَقَل مَنْ يُنْصِفُ مِنْ نَفْسِهِ، وَلاَ يَقْدِرُ الإِْمَامُ عَلَى فَصْل الْخُصُومَاتِ بِنَفْسِهِ، فَدَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى تَوْلِيَةِ الْقُضَاةِ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ فَلأَِنَّهُ أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ نَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ وَهُمَا عَلَى الْكِفَايَةِ.
وَالْقَضَاءُ مِنَ الْقُرَبِ الْعَظِيمَةِ، فَفِيهِ نُصْرَةُ الْمَظْلُومِ وَأَدَاءُ الْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ وَرَدُّ الظَّالِمِ عَنْ ظُلْمِهِ، وَالإِْصْلاَحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَتَخْلِيصُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ وَقَطْعُ الْمُنَازَعَاتِ الَّتِي هِيَ مَادَّةُ الْفَسَادِ.
9 - وَالْقَضَاءُ تَعْتَرِيهِ الأَْحْكَامُ الْخَمْسَةُ:
فَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ إِذَا طُلِبَ لَهُ، لَكِنَّهُ لاَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إِلاَّ إِذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ مِنْ أَهْل الْبَلَدِ سِوَاهُ فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَيْهِ، وَلَوِ امْتَنَعَ عَنِ الْقَبُول يَأْثَمُ كَمَا فِي سَائِرِ فُرُوضِ الأَْعْيَانِ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يَجِبُ قَبُول الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ يَخَافُ فِتْنَةً عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ إِنْ لَمْ يَتَوَل، أَوْ مَنْ يَخَافُ ضَيَاعَ الْحَقِّ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ إِنِ امْتَنَعَ.
أَمَّا إِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ عَدَدٌ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ فَإِنْ عُرِضَ عَلَى أَحَدِهِمْ فَالأَْفْضَل لَهُ الْقَبُول
__________
(1) سورة النساء / 135.
الصفحة 285