كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 33)
النَّوَائِبِ، وَقَمْعُ الظَّالِمِ وَنَصْرُ الْمَظْلُومِ، وَقَطْعُ الْخُصُومَاتِ، وَالأَْمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَفِيهِ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي مَحَلِّهِ، لِيَكُفَّ الظَّالِمُ عَنْ ظُلْمِهِ. (1)
طَلَبُ الْقَضَاءِ:
12 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلإِْنْسَانِ طَلَبُ الْقَضَاءِ وَالسَّعْيُ فِي تَحْصِيلِهِ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: مَنِ ابْتَغَى الْقَضَاءَ وَسَأَل فِيهِ شُفَعَاءَ وُكِل إِلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ أَنْزَل اللَّهُ عَلَيْهِ مَلَكًا يُسَدِّدُهُ (2) ، لَكِنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ يُقَيِّدُ الْكَرَاهَةَ هُنَا بِوُجُودِ مَنْ هُوَ أَفْضَل مِنْ طَالِبِ الْقَضَاءِ مِمَّنْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ وَيَرْضَى بِأَنْ يَتَوَلاَّهُ، وَقِيل: بَل يَحْرُمُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ إِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَصْلَحَ لِلْقَضَاءِ، وَكَانَ الأَْصْلَحُ يَقْبَل التَّوْلِيَةَ.
فَإِنْ تَعَيَّنَ شَخْصٌ لِلْقَضَاءِ بِأَنْ لَمْ يَصْلُحْ غَيْرُهُ لَزِمَهُ طَلَبُهُ إِنْ لَمْ يُعْرَضْ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَمَحَل وُجُوبِ الطَّلَبِ إِذَا ظَنَّ الإِْجَابَةَ فَإِنْ تَحَقَّقَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُهَا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَيُنْدَبُ الطَّلَبُ إِنْ كَانَ خَامِلاً يَرْجُو بِهِ نَشْرَ الْعِلْمِ أَوْ مُحْتَاجًا لِلرِّزْقِ،
__________
(1) معين الحكام ص 7، تبصرة الحكام 1 / 13، ومغني المحتاج 4 / 372، ومجموع الفتاوى لابن تيمية 35 / 355.
(2) حديث: " من ابتغى القضاء وسأل فيه شفعاء. . . ". أخرجه الترمذي (3 / 605) وأعله المناوي في فيض القدير (6 / 21) بجهالة راوٍ في إسناده وضعف آخر.
أَوْ إِذَا كَانَتِ الْحُقُوقُ مُضَاعَةً لِجَوْرٍ أَوْ عَجْزٍ، أَوْ فَسَدَتِ الأَْحْكَامُ بِتَوْلِيَةِ جَاهِلٍ، فَيَقْصِدُ بِالطَّلَبِ تَدَارُكَ ذَلِكَ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ يُوسُفَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ طَلَبَ، فَقَال: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَْرْضِ} (1) ، وَإِنَّمَا طَلَبَ ذَلِكَ شَفَقَةً عَلَى خَلْقِ اللَّهِ لاَ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ.
وَيَحْرُمُ طَلَبُ الْقَضَاءِ إِذَا كَانَ فِيهِ مُبَاشِرٌ قَدْ تَوَافَرَتْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْقَضَاءَ وَالطَّالِبُ يَرُومُ عَزْلَهُ وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ أَهْلاً لِلْقَضَاءِ، لِمَا فِيهِ مِنْ إِيذَاءِ الْقَائِمِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُبَاشِرٌ أَهْلٌ لَمْ يَحْرُمْ طَلَبُهُ، كَمَا يَحْرُمُ الطَّلَبُ لِجَاهِلٍ وَطَالِبِ دُنْيَا. (2)
بَذْل الْمَال لِتَوَلِّي الْقَضَاءِ:
13 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ بَذْل الْمَال لِيُنْصَبَ قَاضِيًا، وَأَنَّ ذَلِكَ يَدْخُل فِي عُمُومِ نَهْيِ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرِّشْوَةِ.
وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ الْحُرْمَةَ بِمَا إِذَا كَانَ طَالِبُ الْقَضَاءِ لاَ يَسْتَحِقُّ التَّوْلِيَةَ لِفَقْدِهِ شُرُوطَ التَّوْلِيَةِ أَوْ بَعْضَهَا، أَوْ لَمْ يَكُنِ الْقَضَاءُ مُتَعَيَّنًا عَلَيْهِ.
__________
(1) سورة يوسف / 55.
(2) كشاف القناع 6 / 288، والمغني 9 / 36 ط. الثالثة للمنار. وابن عابدين 5 / 366، ومغني المحتاج 4 / 373، 374، والروضة 11 / 93، وحاشية الدسوقي 4 / 130، 131، وتبصرة الحكام 1 / 16، 17.
الصفحة 287