كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 33)
فِي فَقْدِ الصِّفَاتِ الثَّلاَثِ فَلاَ يَنْفُذُ حُكْمُهُ. (1)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الشَّرَائِطَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي الْقَاضِي عَشَرَةٌ: الإِْسْلاَمُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ وَالتَّكْلِيفُ وَالْعَدَالَةُ وَالْبَصَرُ وَالسَّمْعُ وَالنُّطْقُ وَالاِجْتِهَادُ وَالْكِفَايَةُ اللاَّئِقَةُ بِالْقَضَاءِ، وَفَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِالْقُوَّةِ عَلَى تَنْفِيذِ الْحَقِّ بِنَفْسِهِ فَلاَ يُوَلَّى مُغَفَّلٌ وَمُخْتَل نَظَرٍ بِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. (2)
وَاشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ الْفَاسِقَ لاَ تَصِحُّ وِلاَيَتُهُ، وَلاَ يَنْفُذُ حُكْمُهُ، وَلاَ يُقْبَل قَوْلُهُ لأَِنَّهُ لاَ تُقْبَل شَهَادَتُهُ فَعَدَمُ قَبُول حُكْمِهِ أَوْلَى، وَإِذَا وُلِّيَ الْفَاسِقُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ حُكْمُهُ، وَقَدْ حَكَى الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ تَنْفِيذِ أَحْكَامِهِ لِلضَّرُورَةِ لِئَلاَّ تَتَعَطَّل مَصَالِحُ النَّاسِ (3) .
أَمَّا الْكِتَابَةُ فَالأَْصَحُّ عَدَمُ اشْتِرَاطِهَا.
وَالاِجْتِهَادُ هُوَ الْعِلْمُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَأَقْوَال الْعُلَمَاءِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (اجْتِهَاد ف 5) .
__________
(1) الشرح الصغير للدردير 4 / 191، وبداية المجتهد 2 / 450، وتبصرة الحكام 1 / 23 - 24، وحاشية الدسوقي 4 / 130.
(2) أدب القضاء لابن أبي الدم الحموي ص 70، ومغني المحتاج 4 / 375.
(3) أدب القاضي للحموي ص 71، ومغني المحتاج 4 / 377.
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَيَشْتَرِطُونَ كَوْنَ الْقَاضِي بَالِغًا عَاقِلاً ذَكَرًا حُرًّا مُسْلِمًا عَدْلاً سَمِيعًا بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا مُجْتَهِدًا، وَلاَ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَاتِبًا لأَِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أُمِّيًّا وَهُوَ سَيِّدُ الْحُكَّامِ.
وَشُرُوطُ الْقَضَاءِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تُعْتَبَرُ حَسَبَ الإِْمْكَانِ، وَيَجِبُ تَوْلِيَةُ الأَْمْثَل فَالأَْمْثَل، وَعَلَى هَذَا يَدُل كَلاَمُ الإِْمَامِ أَحْمَدَ، فَيُوَلَّى عِنْدَ عَدَمِ الأَْمْثَل أَنْفَعُ الْفَاسِقَيْنِ وَأَقَلُّهُمَا شَرًّا، وَأَعْدَل الْمُقَلِّدَيْنِ وَأَعْرَفُهُمَا بِالتَّقْلِيدِ، وَإِلاَّ لَتَعَطَّلَتِ الأَْحْكَامُ وَاخْتَل النِّظَامُ (1) .
حُكْمُ تَقْلِيدِ الْمَفْضُول:
19 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ لَهُ وِلاَيَةُ التَّقْلِيدِ أَنْ يَخْتَارَ لِلْقَضَاءِ أَفْضَل مَنْ يَجِدُ عِلْمًا وَدِينًا وَمَنْ هُوَ أَقْدَرُ وَأَوْلَى لِعِفَّتِهِ وَقُوَّتِهِ؛ لأَِنَّ الإِْمَامَ يَنْظُرُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ اخْتِيَارُ الأَْصْلَحِ لَهُمْ لأَِنَّ الأَْفْضَل أَثْبَتُ وَأَمْكَنُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ تَعْيِينِ الْمَفْضُول مَعَ وُجُودِ مَنْ هُوَ أَفْضَل مِنْهُ، فَفِي قَوْلٍ لِلْمَالِكِيَّةِ أَنَّ تَوْلِيَةَ الْمُقَلِّدِ مَعَ وُجُودِ الْمُجْتَهِدِ بَاطِلٌ، وَالْقَوْل الآْخَرُ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ وَعَلَيْهِ الْعَمَل فِي زَمَنِ الإِْمَامِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ، وَفِيهِ خِلاَفٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ
__________
(1) أدب القضاء للحموي ص 80، شرح منتهى الإرادات 3 / 464، المغني 9 / 39، الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 44، كشاف القناع 6 / 296.
الصفحة 293