كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 33)

لِلْمُسْلِمِينَ وَوَكِيلُهُمْ، وَخَطَأُ الْوَكِيل فِي حَقِّ مُوَكِّلِهِ عَلَيْهِ؛ وَلأَِنَّ خَطَأَ الْقَاضِي يَكْثُرُ لِكَثْرَةِ تَصَرُّفَاتِهِ وَحُكُومَاتِهِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: هِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ مُخَفَّفَةٌ مُؤَجَّلَةٌ.
وَإِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِمَالٍ بِمُوجِبِ شَهَادَةِ اثْنَيْنِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لاَ تُقْبَل شَهَادَتُهُمَا فَيُنْقَضُ الْحُكْمُ وَيُرَدُّ الْمَال إِنْ كَانَ قَائِمًا وَعِوَضُهُ إِنْ كَانَ تَالِفًا، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَعَلَى الْقَاضِي ضَمَانُهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: لاَ يُنْقَضُ حُكْمُهُ إِذَا كَانَ الشَّاهِدَانِ فَاسِقَيْنِ وَيَغْرَمُ الشُّهُودُ الْمَال (1) .
وَقَالُوا: إِنْ بَانَ خَطَأُ الْقَاضِي فِي حُكْمِهِ - فِي إِتْلاَفٍ - بِمُخَالَفَةِ دَلِيلٍ قَاطِعٍ لاَ يَحْتَمِل التَّأْوِيل ضَمِنَ الْقَاضِي مَا تَلِفَ بِسَبَبِهِ (2) .

انْتِهَاءُ وِلاَيَةِ الْقَاضِي:
62 - تَنْتَهِي وِلاَيَةُ الْقَاضِي بِعَزْلِهِ عِنْدَ مَنْ يَرَى صِحَّةَ عَزْلِهِ، أَوِ اعْتِزَالِهِ الْقَضَاءَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، أَوْ بِمَوْتِهِ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لاَ يَنْعَزِل بِعَزْل الإِْمَامِ وَلاَ بِمَوْتِهِ، وَعَلَّل الْحَنَفِيَّةُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ يَخْرُجُ مِنَ الْقَضَاءِ بِكُل مَا يَخْرُجُ بِهِ الْوَكِيل عَنِ الْوَكَالَةِ، لاَ يَخْتَلِفَانِ إِلاَّ فِي شَيْءٍ
__________
(1) المغني لابن قدامة 9 / 255 - 257.
(2) شرح منتهى الإرادات 3 / 502.
وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُوَكِّل إِذَا مَاتَ أَوْ خُلِعَ يَنْعَزِل الْوَكِيل، وَالْخَلِيفَةُ إِذَا مَاتَ أَوْ خَلُعَ لاَ تَنْعَزِل قُضَاتُهُ وَوُلاَتُهُ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ: أَنَّ الْوَكِيل يَعْمَل بِوِلاَيَةِ الْمُوَكِّل وَفِي خَالِصِ حَقِّهِ وَقَدْ بَطَلَتْ أَهْلِيَّةُ الْوِلاَيَةِ فَيَنْعَزِل الْوَكِيل، وَالْقَاضِي لاَ يَعْمَل بِوِلاَيَةِ الْخَلِيفَةِ وَفِي حَقِّهِ، بَل بِوِلاَيَةِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي حُقُوقِهِمْ، وَإِنَّمَا الْخَلِيفَةُ بِمَنْزِلَةِ الرَّسُول عَنْهُمْ لِهَذَا لَمْ تَلْحَقْهُ الْعُهْدَةُ، وَوِلاَيَةُ الْمُسْلِمِينَ - بَعْدَ مَوْتِ الْخَلِيفَةِ - بَاقِيَةٌ، فَيَبْقَى الْقَاضِي عَلَى وِلاَيَتِهِ.
وَعَلَّل الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ نَائِبًا عَنِ الإِْمَامِ فَلاَ يَنْعَزِل بِمَوْتِهِ؛ وَلأَِنَّ الإِْمَامَ يَسْتَنِيبُ الْقُضَاةَ فِي حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَنْعَزِلُوا، وَلأَِنَّ الْخُلَفَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَّوْا حُكَّامًا فِي زَمَنِهِمْ فَلَمْ يَنْعَزِلُوا بِمَوْتِهِمْ؛ وَلأَِنَّ فِي عَزْلِهِ بِمَوْتِ الإِْمَامِ ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ الْبُلْدَانَ تَتَعَطَّل مِنَ الْحُكَّامِ، وَتَقِفُ أَحْكَامُ النَّاسِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ (1) .

عَزْل الْقَاضِي:
63 - لاَ يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّ لِوَلِيِّ الأَْمْرِ أَنْ يَعْزِل الْقَاضِيَ إِذَا ظَهَرَ مِنْهُ خَلَلٌ كَفِسْقٍ أَوْ مَرَضٍ يَمْنَعُهُ مِنَ الْقَضَاءِ، أَوِ اخْتَل فِيهِ بَعْضُ
__________
(1) بدائع الصنائع 7 / 16، وروضة القضاة 1 / 32، وحاشية الدسوقي 4 / 133، 134، ومغني المحتاج 4 / 383، والمغني 9 / 103، وكشاف القناع 6 / 253.

الصفحة 321